شريعتي: مذاهب إسلامية استخدمت للاستحمار
|
|||||
الدكتور علي شريعتي معلقاً على
الحملات التي كانت تُشن ضده في إحدى محاضراته قائلاً: 'أنا عند الإسلاميين
شيوعي، وعند الشيوعيين إسلامي، وعند الحكومة عميل سوفييتي، لأن المفكر الحر
يستحيل تصنيفه'!
|
|||||
ميدل ايست أونلاين
|
|||||
بقلم : محمد رياض
|
|||||
المصطلح
أعلاه يمثل نظرية فلسفية متكاملة، تعنى بتحليل ظاهرة اجتماعية جديرة
بالدراسة فعلاً في ما يسمى بدول "العالم الثالث" تتعلق بالأساليب التي
تستخدمها "دول العالم الأول" للتأثير على عقول شعوب "العالم الثالث"
وبالتالي التحكم، بدرجات نسبية، في حاضر ومستقبل هذه الشعوب بما يتيح للقوى
الاستعمارية الكبرى الاستمرار في السيطرة على مقدرات وثروات الشعوب
المستضعفة (بفتح العين).
واضع النظرية هو الأستاذ والباحث
المعروف في علم الاجتماع الإيراني علي شريعتي، الذي اغتيل في لندن السنة
1978. ولد شريعتي في قرية صغيرة بإيران، لأب فلاح متدين جداً، وبالتالي فقد
نشأ وتربى في اجواء دينية تقليدية مغلقة إلى حد كبير، ثم تسنى لهذا الشاب
الذي حصل على المركز الأول في الجامعة اثناء دراسة البكالوريوس الحصول على
بعثة دراسية لإكمال دراساته العليا في الماجستير والدكتوراه في جامعة
"السوربون" في فرنسا.
انضم شريعتي للجهاز الإعلامي في فرع
جبهة التحرير الجزائرية في باريس اثناء إندلاع الثورة الجزائرية ضد
الاستعمار الفرنسي للجزائر ثم ما لبث أن إعتقل وسجن السنة 1960 ثم افرج عنه
بعد ذلك.
في السوربون أبدع الدكتور شريعتي نظرية
اجتماعية تتعلق بالطرق التي تتبعها الدول المستعمره ( بكسر الميم) للتحكم
في سلوكيات شعوب الدول المستعمرة (بفتح الميم)؛ ثم عاد إلى إيران ليعمل
استاذاً لعلم الاجتماع في جامعة طهران وليؤسس داراً ثقافية في حي شعبي في
العاصمة سماها بـ (حسينية الإرشاد)، حيث كان الدكتور شريعتي يحاول من خلال
الدار إعادة قراءة الفكر والتاريخ الإسلامي، وهناك في حسينية الإرشاد أبدع
نظرية اجتماعية اخرى اطلق عليها اسم نظرية (العودة إلى الذات).
في
نظرية (النباهة والاستحمار) يعتقد شريعتي أن القوى الرأسمالية الكبرى
تحاول دوماً توجيه انتباه الشعوب التي تطمع في مقدراتها إلى قضايا فرعية
غير رئيسية وربما مفبركة لحرف تفكيرها وتشتيت انتباهها عن قضاياها الرئيسية
ذات الاولية والأهمية القصوى لأمنها وحاضرها ومستقبلها، ويضرب امثلة
متعددة على أساليب اتبعتها بريطانيا في الهند وفرنسا في إفريقيا لتفكيك
الروابط القومية السائدة من خلال إثارة الانقسامات الطائفية والعرقية
والدينية؛ وحتى خلق أديان وإنتاج طوائف جديدة وفبركة أعراق لم تكن معروفة
من قبل لتقسيم المجتمعات وتفكيكها وإلهائها وتسهيل عملية سرقة مقدراتها.
والنباهة
الشعبية عند شريعتي هي الأداة الامثل للتصدي لجهود القوى المالية
والاستعمارية الكبرى الرامية للاستيلاء على مقدراتها، حيث ان المقصود من
النباهة هو الوعي الفكري الذي تحمله قلة مثقفة مدركة لأبعاد ما يحاك لأمتها
من مؤامرات وفي نفس الوقت ترفض هذه القلة المفكرة الانسياق وراء المتاهات
الإلهائية الوهمية التي تشغل بال عامة الناس ورجل الشارع العادي، أي أن
بوصلة هذه القلة الموجودة في كل مجتمع تبقى متجهة نحو القضايا الرئيسية
لأُمتها، وهم اي القلة غير القابلة للانحراف يشكلون صمام الأمان لأمتهم.
ويضرب
شريعتي أمثلة كثيرة حول العالم على محاولات من حكومات محلية ل(استحمار)
شعوبها حسب تعبيره من خلال فبركة قضية ما تشغل بال المواطن العادي وتستحوذ
على تركيزه في الوقت الذي تعمل فيه هذه الحكومة او تلك المجموعة المالية
مثلاً على القيام بخيانة كبرى لأمتها او تنفيذ مشروع سرقة ضخم لأحدى
مقدراتها أو مقدرات أجيالها.
شريعتي يصر كذلك على ان
القضايا الإلهائية أو الاستغفالية لا تتعلق بالضرورة بدعايات وهمية او
قضايا غير ذات أهمية بل انها أي القوى المنفذة قد تستغل قضايا ملحة حقيقة
مثل الغلاء وغياب العدالة الاجتماعية و الحرية واضطهاد المرأة والديمقراطية
وغير ذلك لإلهاء المواطنين او (إستحمارهم) حسب تعبيره لشغلهم عن قضية أو
قضايا أخرى أكثر إلحاحاً وأهمية مثل وحدة الأوطان والتصدي لهجوم خارجي وغير
ذلك.
يضرب شريعتي مثالاً من ما وقع أثناء حملة نابليون
على مصر، لما انشغل الرأي العام المصري والأزهر حينها حول ما إذا كان
نابليون وجيش الحملة قد دخلوا فعلاً وحقاً في الإسلام كما أشاع نابليون
آنذاك، بينما تناسوا أن نابليون وجيشه جاءوا كغزاة للسيطرة على مقدرات
البلاد.
بينما يقترح د. علي شريعتي من خلال نظرية العودة
إلى الذات على شعوب العالم الثالث أن تطور لنفسها إيديولوجيات ذاتية
مستمدة من تاريخها وثقافتها ومنظوماتها الفلسفية وانتمائها العرقي للتصدي
لهيمنة الدول الاستعمارية الكبرى على مقدراتها ومستقبل أجيالها، لأن
الأيديولوجيات الاستقلالية الذاتيه حسب قوله اكثر مناعة وقدرة على التصدي
للاكتساح الثقافي الغربي لشعوب الشرق من الأيديولوجيات المنتجة في الغرب
نفسه والتي تعبر عن معالجات لصراعات طبقية وظروف اجتماعية خاصة مرت بها
المجتمعات الغربية بشكل خاص، ولهذا لا يصح تعميم نتائج تطور مجتمعات مرت
تاريخياً بظروف خاصة بها على مجتمعات أخرى تحتاج لوصفة علاجية مختلفة
لاختلاف الأعراض والظروف التاريخية وأشكال الصراع الطبقي.
في تاريخنا الإسلامي
يرى
شريعتي ان المذاهب الإسلامية استخدمت كـ "ادوات إستحمارية"، لإلهاء الشعوب
بحيث يتم إثارة الخلافات المذهبية كل مرة لتفكيك وحدة النسيج الاجتماعي
للمجتمع ولشغله عن عمليات الاستحواذ على مقدراته وسرقة ثرواته، إلا أنه
يدافع عن مبادىء الإسلام وقيمه الرئيسية الأولى التي يرى فيها ثورة تقدمية
قامت لتحقيق مبادىء العدالة الاجتماعية والخير ولتأكيد حرية الاعتقاد
والتفكير ولمحاربة الإقطاع وسيطرة رأس المال على تفكير ومصير ومقدرات
الشعوب، ويرى بذلك أن العرب الفاتحين الأوائل جاءوا لإيران كثوار تقدميين
لتدمير النظام الإقطاعي الذي تقوم عليه الإمبراطورية الساسانية الرجعية،
حسب تعبيره، إلا ان القوى الإسلامية التقدمية قد جرى تصفيتها فيما بعد
لصالح أسياد الإقطاع الجديد الذين استغلوا الدين نفسه لاستغفال العامة
وسرقة ثرواتها.
المهم، شن رجال الدين حملة شعواء لتكفير
د. شريعتي الذين رأوا فيه مفكراً يسارياً يريد اختراق الدين والمذهب وتدمير
أركانه رافقتها حملة شعواء مقابلة من التيارات الماركسية واليسارية اتهمت
الرجل بأنه متدين مقنع يريد أسلمة القوى الماركسية واليسارية في المجتمع،
رافق ذلك حملة إعلامية حكومية اتهمته بأنه عميل سوفييتي معاد للنظام
الملكي.
وهكذا تم اعتقال د.شريعتي ثم اطلق سراحه بشرط
مغادرة البلاد في زيارة قصرية إلى لندن وبعد عدة أيام وفي ليلة ضبابية
باردة من لياليها قام أحدهم بإطلاق النار عليه أمام باب شقته فأرداه
قتيلاً.
علق د. شريعتي على هذه الحملات في إحدى محاضراته
قائلاً : "أنا عند الإسلاميين شيوعي وعند الشيوعيين إسلامي وعند الحكومة
عميل سوفييتي لأن المفكر الحر يستحيل تصنيفه"!
د. محمد رياض
كلية القانون- جامعة أريزونا
|
mercredi 11 décembre 2013
شريعتي: مذاهب إسلامية استخدمت للاستحمار
Inscription à :
Publier les commentaires (Atom)
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire