كتبهاهشام زليم ، في 1 ديسمبر 2010 الساعة: 23:25 م
محضر محكمة التفتيش الإسبانية ضد المورسكي دييغو دياث
ترجمة هشام زليم المغربي.
الأندلس,
ذلك الحلم الجميل الذي رسمه المؤرخون و الأدباء و تنافس في وصفه الفصحاء و
البلغاء سرعان ما أحالته محاكم التفتيش الإسبانية إلى كابوس رهيب و ماض
أليم. أمة بكاملها تعرضت لجميع أنواع الإبادات الحسية و المعنوية من تقتيل و
تهجير و طمس للهوية و مصادرة للماضي و للإنجازات. من كان يصدق أن الأرض
التي شهدت أول نهضة أوربية ستكون للأسف مسرحا لولادة أول دولة عنصرية في
التاريخ. فلتفخر إسبانيا بماضيها القائم على الكذب و الأساطير و الروايات
الزائفة, و لتُقِم الأعياد تمجيدا لسقوط هذه المدينة أو تلك بيد الملكين
الكاثوليكيين و لكن هيهات ينسى أحرار العالم ما اقترفته
أيديها من جرائم و إبادات و ما سنته من سنن سوداء في "تكنولوجيا" الإرهاب و
التعذيب… و يوما ما ستقف إسبانيا في قفص الاتهام مطأطئة الرأس, مهانة و
ستتلى عليها سجلات جرائمها التي ارتكبتها بأيد أشخاص دنيئين مثل الكرادلة توركيمادا,
ثيثنيروس, خايمي بليدة, خوان ريبيرا و غيرهم, يومها سيرجع الحق إلى أصحابه
و ستُطوى صفحة سوداء من التاريخ و ستُشرق على العالم شمس الأندلس من جديد !
سنذكر اليوم محنة رجل مورسكي عانى كثيرا مع محكمة التفتيش الإسبانية, جريمته العودة إلى أرضه و الوقوع في "خطيئة" لم يرتكبها هو و كانت رغما عنه !!!
إن قضية هذا المورسكي توضح المعاناة التي عاشها المورسكيون و تعطي فكرة عن الدولة البوليسية-التيوقراطية التي أسستها محكمة التفتيش الإسبانية, دولة جعلت أفعال العباد من أخص خصائصها و نادت بالوشاية بأقرب الأقربين لعل الواشي ينال غفران الكنيسة. و أهم ما يستشف من القضية هو إصرار الأندلسيين على العودة إلى أرضهم رغم الطرد و بالتالي استمرارهم في العيش بإسبانيا إلى اليوم متنكرين في أزياء و أسماء نصرانية مستعارة.
* تنبيه: ترددت في تعريب كلمة الموروس Moros
التي وردت كثيرا في هذا الموضوع, فهناك من يعربها بمعنى "المسلمين" و هناك
من يراها تعني "العرب", لكن ما أراه صحيحا هو ما نحاه العلامة تقي الدين
الهلالي المغربي رحمه الله في ترجمته لكتاب "مدنية المسلمين بإسبانيا" لمّا
ترجم الموروس بمعنى "المغاربة", و هذا هو الصحيح, لأن أهل شمال المتوسط
اعتادوا نعث سكان شمال أفريقيا بالبربر أو الموروس, و قد تحولت هذه الكلمة
اليوم إلى وصف قدحي ينعث به جميع المسلمين بربرا كانوا أو عربا أو حتى سكان
الجزر الفيليبينية التي كانت تحتلها إسبانيا, حيث أطلقت على سكان تلك
البلاد من المسلمين "المورو".
ملخص
و مقتطفات من محضر محكمة التفتيش ضد المورسكي القشتالي, دييغو دياث,
المتابع بكوينكا سنة 1630 بعد أن تم طرده مرتين من شبه الجزيرة الأيبيرية:
الجزار دييغو دياث و زوجته مارية ديل قشتيليو Maria del Castillo مورسكيان يقطنان بلمونتي Belmonte. (1)
مثُل دييغو دياث أمام المحكمة بعد أن اتهمه كل من خادمته السابقة, أنطونيو مالو Antonio Malo و زوجته و شاهد آخر بما يلي:
- الطبخ بالزيت عوض استعمال شحم الخنزير في الإناء.
- أكل اللحم في أيام الصوم الأكبر –الكواريثما- و في الجُمع دون أن يكونا مُعتلا الصحة إضافة لأكلهما سمك التونة, السردين, الجبن, و هي أشياء لا يأكلها المرضى.
- لا يحضران القداس و لا يعلمان أبناءهما الصلوات.
- يغتسلان, يغيران ثيابهما في الجُمع و ينامان عاريين.
- يستقبلان في فندقهما بغالين و مورسكيين من وادي ريكوتي Valle del Ricote.
"و
تعلم هذه الشاهدة أن المدعو دييغو دياث كان يجمع في منزله العديد من
مورسكيي وادي ريكوتي, فكان يدخل هو و زوجته إلى غرفته رفقة هؤلاء
المورسكيين فيتحدثون بالعربية التي لا تفهمها هذه الشاهدة و يغلقون عليهم
باب الغرفة لأكثر من ثلاث أو أربع ساعات".
عندما
سُئل دييغو دياث في المحكمة إن كان له أعداء, ذكر خادمة سابقة طردها بسبب
شربها للخمر, و أنطونيو مالو و زوجته أصحاب فندق مثله و منافسين له. يدفع
عن نفسه التهم (يقول مثلا أنه لم يتحدث بالعربية مع أولئك الذين استقبلهم
بمنزله و إنما باللغة البلنسية, لأنه عاش فترة طويلة في تلك البلاد و تحدث
بلغتها و له أصدقاء هناك.). و من خلال عدة استجوابات سيروي قصة حياته.
ينحدر دييغو دياث من دايميال Daimiel, إحدى بلدات قلعة رباح Calatravaالخمس. ينتمي للموريسكيين القدامى الذين يقيمون بقشتالة لخدمة
الملوك الكاثوليك منذ أكثر من 300 سنة, و قد أرادوا طردهم بعد طرد
الغرناطيين, و قاموا فعلا بطردهم فعادوا للعيش و الاستقرار في تلك
البلدات.”
كان سن دييغو عند
الطرد 17 سنة, و كان حتى ذلك الحين يعمل مزارعا. "بعد مغادرته ممالك
قشتالة, عند الطرد سنة 1609م, عبَر إلى بايونة Bayona عبر سان خوان دي لوث San Juan de Luzبمملكة
فرنسا. قضى هناك حوالي 15 يوما رفقة العديد ممن شملهم قرار الطرد". عاد
دييغو إلى دايميال قادما من فرنسا لكنه اعتقل, و بعد سجنه لمدة شهرين نُقِل
إلى قرطاجنة رفقة موريسكيين آخرين حملوا جميعا في السفينة في اتجاه مدينة
الجزائر. يروى دييغو تفاصيل مقامه بهذه المدينة و يعترف أنه مختون.
"رسوا قرب الجزائر و جاء أتراك هذه المدينة و حملوهم إلى المدينة نفسها و وضعوهم في مخازن Taraçanas و هي عبارة عن دور ملكية كبيرة تحوي الأسلحة و ذخائر المدفعية, فقاموا في هذا المكان بمعاينة جميع الذكور و ختنوهم”. لقد قام بعملية الختان حلاقون, عالجوهم و ضمدوهم و أعطاهم الأتراك بعد ذلك طعاما فخما ”كما يُعمل في إسبانيا أيام الزفاف”. وُضِع الطعام الذي منحوهم على الأرض فوق حصيرة قصبية غطيت بغطاء المائدة . بعد ذلك, صنعوا له من معطف كان يرتديه لباسا للمغاربة."
”عمل دييغو في السفن و في استخراج الحجر ضمن أشغال بناء رصيف للميناء.” كانوا
يمنحونه ريالا و نصف. كان يمشي رفقة مورسكيين آخرين من طليطلة و من مملكة
غرناطة و أيضا مع نصارى. ذات مرة, بينما كانا يتظاهران بلعب الورق, اعترف
بخطاياه لقسيس أسير و بأنه مستمر في العيش وفق شريعة النصارى دون أن يخبر
بذلك أي أحد. لم يدخل إلى المسجد الكبير بالجزائر إلا مرة واحدة لإحساسه
برغبة فضولية في التعرف عليه, و كان ذلك في وقت غير أوقات الصلاة.
يذكر
الأمور التي صدمته في عادات الأتراك و كيف أن هذه الأمور كانت ستمنعه عن
اعتناق شريعة محمد لو رغب في ذلك. يقول أن كل شيء يعملونه عكس ما هو موجود
في إسبانيا: عندما يتبولون يرفعون القميص و يخفضون السراويل مثل النساء (2). ”ينتعلون
أحذية دون أربطة و تبدو كل الأشياء على عكس إسبانيا, أما النساء فيمشين
وجوههن مغطاة بحيث لا يستطيع أحد أن يراهُنًّ.”. يأكلون و هم جلوس في
القذارة, لكن أكثر ما يثير اشمئزازه هو ”شراؤهم لغلمان كعبيد للنوم معهم,
فانظر سيدي أي وقاحة هذه”… ”كما يوجد في الجزائر –العاصمة- أكثر من 6 ألاف غرناطي نصراني بينما مورسكيو أراغون و بلنسية لم يكونوا نصارى أبدا (3) و
إذا كان لأحد الغرناطيين الموجودين في الجزائر طفل فإنه لا يجرأ على
مفارقته حتى يبلغ العشرين سنة مخافة أن يأخذه منه مغاربة الجزائر و يفعلوا
به سوءا كما ذكر سالفا” (4).
بعد بضعة أشهر في الجزائر, ركب دييغو قاربا للصيادين, بينهم العديد من مورسكيي أراغون, و رأى ذات يوم أنه
بات قريبا من شاطئ إسبانيا فارتمى في الماء و سبح حتى وصل إلى طرطوشة. و
منها عبر إلى سرقسطة ثم ذهب إلى فرنسا لعله يجد والده أو أحد إخوته. لم يجد
أحدا (بعضهم مات, و البعض عاد إلى إسبانيا), ذهب حتى أبينيونAvignon ثم عاد إلى إسبانيا. عاش في بلنسية, حيث تعلّم مهنة الجزارة, ليمارسها بعد ذلك في أوريولةOrihuela , مانثانارث Manzanares, موتا ديكويربو Mota de Cuervo, و بلومنتي Belmonte و
بها استقر حينما تمّ اعتقاله. يقول مدافعا عن نفسه أنه لو لم يكن نصرانيا
صالحا لما عاد إلى إسبانيا مرّتين بعد طرده مرّتين. ” و أنه لو كان يحفظ
شريعة محمد لكان الآن في الجزائر و هي أرض يتوفر فيها كل شيء بكثرة.”
طيلة
المحضر, كانت النقطة الأساسية في النقاش هي إن كان الختان طوعيا أو لا, بل
و إن كان قسريا هل يؤدي هذا إلى الردة عن العقيدة الكاثوليكية لأنه كان
بمقدوره الامتناع و اختيار الموت. من جهة أخرى كان محققو محكمة التفتيش
يعتقدون أن المغاربة لا يجبرون أحدا على اعتناق عقيدتهم و لا يفرضون الختان
بطريقة عنيفة.
”قال
و كيل المحكمة: اطلعت على محضر دييغو دياث و ظهر لي أنه غير حصين بما فيه
الكفاية, و يعوزه للمصادقة عليه أهم ثلاثة شهود : أنطونيو مالو و زوجه
مارية دي لاكونا. بالنسبة لهذين, رأى المفوّض أنه لعدم معرفة المكان الذي
يتواجدان فيه يكفي استجواب شخص واحد من بلمونتي, اعتبارا لقيمته, يعلم
أنهما صاحبي فندق, و الشخص المستجوَب محامي و رئيس الجمعية الأخوية. من
اللازم الاستعلام لدى فندقيين آخرين و الأشخاص العاديين جيران و أصدقاء
الغائبين, فليس من المعقول الاختفاء التام لشخصين متزوجين.
نفس الشيء بالنسبة لشاهد آخر, مارية إيرنانديث, التي كانت مرتبطة بهما –بالشاهدين -و تعمل عندهما.
إلى
حين المصادقة على هؤلاء الشهود, أقول أنه مع افتراض صحة انتماء هذا المتهم
إلى طائفة المغاربة و إلى الذين كانوا لا يُشك عموما في حفاظهم على شريعة
محمد و لهذا طُردوا من إسبانيا, هناك خمس شهادات تقول أنه خلال الصيام
الأكبر –الكوريثما- و الأيام الحرم الأخرى رأوه يأكل اللحم خاصة في كاورثما
سنة 1632م إلى جانب سمك التونة, الجبن و أشياء أخرى مضرة بالصحة.
لإبطال هذا الدليل قدّم دييغو دياث عدة شهود قالوا أنه إذا أكل ذلك فلمرض ألم به و برخصة من الطبيب, لكن بما أن أقوال
الشهود لها أساس صحي بخصوص الوعكة الصحية و رخصة الطبيب فإذا لم يقل
الطبيب ذلك فلا وزن لألف شاهد يقول بذلك. يقول الطبيب باثكيث Vazquez أنه
منحه في بعض المرات رخصة لأكل اللحم؛ لكن الطبيب نفسه قال في المحضر أمام
ممثل الكنيسة ثم أمام مفوض محكمة التفتيش أنه لم يمنح له رخصة من هذا
القبيل في كاوريثما سنة 1632م و أن الرخصة الممنوحة له أحيانا ليست دائمة
الصلاحية. و وصف –أي المتهم- اثنان من بين الشهود الأربعة بأنهم أعداء له
هما أنطونيو مالو و زوجته, و يبدوا ذلك قابلا للتصديق لأن مكمن العداء
كونهم جميعا أصحاب فنادق و جيران, و هذا يولد لدى أصحاب النفوس الدنيئة
حسدا و مصلحة في طرد الآخر من المنطقة. باقي التهم التي وجهها للشهود
الأربعة حول اللصوصية و السكر لا أعتد بها رغم أن الشهود يقولون بصفة عامة
أن لهم أيادي سوداء و أنهم رأوهم سكرانين, لكن عليهم إعطاء أدلة أكثر
فالسكر يُعرف بما يصدر عن السكران من أفعال و لا يُرى بالعين, إضافة إلى أن
في مسائل العقيدة لا يُقبل أي طعن في الشهادات إلا إذا كان دافعها العداء.
اتهام آخر هو عدم
سماعه للقداس في الأعياد, و هو اتهام ناقص لهذا لا أعتد به, و أيضا لأن
هذا لم يقله سوى شاهد واحد وهذا غير حاسم, و هناك شهود كثيرون يفيدون
بأنهم رأوه يسمع القداس ".
اتهام
آخر هو عدم أكله لحم الخنزير حيث قالت خادمة أنه خلال الأشهر السبعة التي
قضتها معهم لم تره يأكله و لا يستعمله في القِدر, و لو كانت هناك شهادة
أخرى لكان هذا الدليل محكما بأنه من سلالة المغاربة؛ غير أن الشاهد واحد و
رغم قولي من قبل أني لا أعتد بتهمة السكر فإنه من خلال شهادتها يبدو في
كلامها شيئا من الحماسة ضد هما, و لقولها أنها لم ترهما أبدا يعلمان
أبناءهما الصلوات و قد تحققنا من ذلك من خلال إحدى بناتهما ذات 6 سنوات
كانت تعرف الصلوات, و من الممكن أن والديها قد علماها, و كذلك لوجود عدة
شهود دعاهم –المتهم- قالوا أنهم رأوه يأكل الخنزير, لهذا لا أعتد بصحة هذا الاتهام..
اتهام
آخر يبدو للوهلة الأولى محكما و هو ارتداءه هو و أهل بيته لقمصان نظيفة و
أحسن الملابس في أيام الجُمع, لكن إذا اعتبرنا أن الرجل جزار فإن يوم عطلته
و ارتداء الملابس النظيفة هو يوم الجمعة. يبقى ارتياب واحد, فالأمر لا
يتعلق به وحده فباقي الأسرة يغيرون القمصان في الجُمع. لكن هذا كله عبارة
عن قول شاهد واحد هو الخادمة المذكورة أعلاه."
”أقوى
دليل ضد هذا المتهم هو ما اعترف به هو نفسه و تأكد منه الخبراء بعد
معاينته و هو أنه مختون, و هذا هو أهم شعيرة عند المغاربة, و قد خُتِن
بالجزائر عندما طُرد رفقة مورسكيين آخرين, و رغم قوله أنه خُتن قسرا فإن
الظاهر الجلي هو العكس, لأن المغاربة لا يجبرون أحدا على اعتناق عقديتهم
فما بالك بختن من لم يختن بعد بالقوة. لهذا مما لا شك فيه عندي أن هذا
المتهم و الذين ختنوا قد ارتدوا عن شريعة المسيح المخلص أو أنهم اعترفوا
أنهم لم يكونوا نصارى البتة, و هكذا بالنسبة للختان و للباس و للدخول
للمساجد قد أقر بانتمائه لشريعة محمد, لأنه اعترف بدخوله إلى المسجد في جو
من الوقار, علما أن المغاربة لا يسمحون بالدخول لأصحاب العقيدة المخالفة. و
اعترف كذلك بأنهم صنعوا له هناك من رداء كان يرتديه زيا
للمغاربة و رغم محاولته إبداء الأمر على أنه أُجبر على ذلك فهذا لا يمكن
تصديقه أبدا, و قد تم التحقق من الماضي المرتد الذي تاب منه. الأمر الأكثر
تأكيدا اعتقاده هو و العامة أنه بذهابه إلى روما للتوبة فسيتجنب العقاب,
فاتخذ سبيله إلى هناك, ولما عثر في أبينيون على لجنة كنسية
مجتمعة لذاك الغرض اعترف هناك فغفروا له و قد كَشف عن شهادة المعترف بتاريخ
2 يوليوز 1618م. و هذا كله يؤكد أنه لو كان في وقت ما كاثوليكيا فقد ارتد
لمّا كان في الجزائر.”
”
رغم قول الشهود, الذين تحدثوا بدعوة منه, أمورا في صالحه إلا أنها لم ترفع
عنه هذه الشبهة و لم تخفف منها و يلاحظ حديثهم الحماسي و القوي لصالحه,
فأحدهم قال أنه رآه عدة مرات يحمل صلوات و يعلمها لأبنائه علما أنه رجل لا
يعرف القراءة. آخرون قالوا أنهم رأوه يرتدي ملابسا جديدة أيام الأحد و هذا
شيء لا يمكن ملاحظته في العادة إلا من طرف الخدم. و كخلاصة
قال أحد الجراحين أن هؤلاء لم يخبروه عن أي وعكات صحية و لا يعرف إن كانت
تسمح لهم بأكل اللحم. و قال شاهد قدموه أن وعكاته الصحية معروفة و قد اطلع
عليها و أنه بإمكانه أكل اللحم و ضميره مرتاح, و في أوقات أخرى أمام شهود
من هذا النوع تم جلدهم 200 جلدة, سواء الجراح, أو الذين شهدوا على
الصلوات…(و هناك شهود آخرون قالوا أشياء أخرى مرتبكة و ملقاة على عواهنها
كهذه. ”
"أما
أولئك الذين شهدوا لصالحه بأنه يعطي الصدقات و أفعال أخرى تدل على صلاح
الرجل فهي أشياء مشتركة بين المسلمين, الكفرة و اليهود و كلهم يعتبرونها
أعمالا صالحة. فقط نوع واحد خاص بالنصارى و هي, حسب قول بعض الشهود, إعطاؤه
للصدقات لأجل طعام القداسات, و هذا إن لم يكن تظاهرا فإنها محاولة للتكفير
عن ردته في الجزائر, لهذا يبدو لي وجوب تقديمه إلى التعذيب و أطلب رخصة
بذلك."
"إضافة
لهذا أقول أن الاعتراف المقدس الذي أدلى به في أبينيون جاء بعد 7 أو 8
سنوات على خروجه من الجزائر, فإذا كان ختانه و اعتناقه شريعة محمد نتيجة
للخوف, ما كان ليتأخر كل هذا الوقت عن الندم و التوبة ".
"في
محكمة التفتيش المقدسة بمدينة كوينكا في يوم العشرين من شهر دجنبر 1633م,
حضر الجلسة المسائية السادة المفتشون دون سيبستيان دي فرياس Don Sebastian de Frias, دون إنريكي دي بيرلتا قردناش Don Enrique de Peralta y Cardenas و دون راموس رودريغيث دي مونروي Don Ramos Rodriguez de Monroy و
أمروا بإحضار دييغو دياث من الزنزانة, و بعد حضوره أخبروه بما اتفقوا عليه
في شأنه و أنه عليه قول ما يريح ضميره و يبر قسمه الذي أداه قبل ذلك, دون
أن يضر ذلك بقضيته. فقال أنه ليس عنده ما يخبر به أكثر مما أخبر به".
"
سُئِل عن إفادته المتعلقة بختانه هو و باقي المورسكيين بمجرد وصولهم إلى
الجزائر من إسبانيا و أنه رفض هذا العمل لأنه بقي نصرانيا بحيث لمّا وجد
نفسه مع راهب أسير اعترف له, و أن يذكر السنة التي جرى فيها ذلك و الأمور
التي ناقشها مع الراهب و إن كان قد اعترف له خصوصا بخطيئة الختان."
"قال
أنه لا يتذكر بأي شكل من الأشكال الوقت أو السنة التي كان فيها الطرد لكنه
يظن أن بعد سنتين على خروج جميع المورسكيين الغرناطيين من إسبانيا حملوه
في البداية إلى فيوبيا Veobia و مكث بعض الوقت بسان خوان دي لوثSan Juan de Luz دون أن يتذكر المدة, و منها عاد إلى إسبانيا, فاعتُقل ببلدة فيلا ديارو Villa de Aro هو
و الراحل فرانثيثكو مورينو, المنحدر من داميال و المتوفى الان, و قد
اعتقلهما "أمين الفلفل" و سلّمهما للعدالة المدنية و اعتٌقلوا لمدة ثلاثة
أشهر سلِّموا بعدها مرّة أخرى إلى "الممون العام” بفيوبيا…و من هنا ذهب إلى
سان خوان دي لوث حيث كان والده و مكث هناك ستة أشهر عاد بعدها إلى
إسبانيا, و جاء عبر مدريد إلى ديميال و كان له اتصال بمخبر محكمة التفتيش
الذي يُدعى أوروثكو Orozco الذي ظل عنده ما بين 8 و 9 أشهر فأخذه منه عمدة كورتي ماديرا Corte Madera مع كثيرين كانوا أسرى و حملهم إلى قرطاجنة حيث ظلوا بضعة أيام إلى أن جاء العمدة كابريرا Cabrera بمجموعة
أخرى من المورسكيين فجمع عمدة كورتي ماديرا المجموعتين على متن قارب و
وعدوهم بأن يرسوا بهم بأرض النصارى فأخذوهم إلى أرض البربر و رسوا بهم في
شاطئ مكان يدعى Sorjel سرخيل
على بعد 12 أو 14 كلم من الجزائر. فبدؤوا بالمسير جميعا نحو الجزائر و
عند منتصف الطريق وصلت من الجزائر و المناطق المجاورة فرقة من الجيش يفوق
تعدادها 100 شخص فحملوهم إلى المدينة المذكورة فأكرموهم و حملوا من أعياه
المسير على خيول جيدة و أردفوا نساء المطرودين من إسبانيا في مؤخرة
الأحصنة. بعد 3 أو 4 أيام قاموا بالختان الذي تحدث عنه, بحيث يقوم رجلان من
الجزائر بإمساك أحدهم من يديه و دون أن ينبسوا بكلمة واحدة يخفضون سراويله
و يختنوه. أما مع الراهب أو القس الذي لا يعلم ما جرى له, فبينما كانا
يلعبان الورق اعترف له و أبدى له أسفه لتواجده هناك و لختانهم له.
"و سُئِل عن عدد الأيام التي فصلت بين الختان و الاعتراف الذي قال أنه أدلى به للراهب."
"قال
بأنه يظن بعد شهرين أو ثلاثة أشهر من الختان لأن بعض المسلمين الغرناطيين
الذين يصنعون الكراسي و لا يعلم أسماءهم أخبروه بوجود راهب أسيرا اعترفوا
له, فإن أراد الذهاب للاعتراف لديه فسيتواصلون بينهم بما أنهم نصارى و سيبقون بالقرب منه بينما يعترف".
"ثم
سُئِل عن المدة الفاصلة بين اعترافه و خروجه من الجزائر و إلى أي مكان ذهب
أول مرّة و في أي منطقة. فقال أن الراهب نفسه نصحه إن كان يعرف العربية أن
يذهب إلى وهران و منها إلى إسبانيا, و إلا فليرافق بعض المورسكيين
الأراغونيين القباطنة الذين يخرجون في فرقطات للسرقة و لأغراض أخرى. و هكذا
أتيحت له الفرصة في خرجات قبطان مورسكيي أراغون و قطلونية فارتمى في الماء
و وصل إلى هذه المدينة و منها إلى سرقسطة حيث مرض فدخل
المستشفى, و قبل أن يدخل قام بالاعتراف بخطاياه. و من تم ذهب إلى سان خوان
دي لوث بفرنسا بحثا عن والده و إخوانه, فعلم كيف أن بعضهم قد مات و أن
الآخرين عادوا إلى إسبانيا, فاتخذ سبيله إلى أفينيون بفرنسا حيث اعترف
بخطاياه"
"ثم طُلِب منه أن يكشف عمن نصحه بالذهاب إلى أفينيون بفرنسا و أخبره أن هناك أشخاصا باستطاعتهم تحلته من مثل تلك الأمور".
"قال أنه هو الذي قرر
الذهاب إلى روما للاعتراف بذنوبه و عند مروره من أفينيون التقى بقسين
فرنسيين قبل الوصول إلى المدينة فأخبرهما أنه ذاهب إلى روما لأنه يحفظ بعض
الذنوب التي لم يعترف بها فأجاباه أن هناك أسقفا و سفيرا بابويا بإمكانهما
تحلته من ذنوبه المحفوظة و أعطياه عباءة ليدخل بها, فمكث هناك بضعة أيام ثم
ذهب لرؤية الأسقف و السفير البابوي لكنهما لم يفهما منه ولو كلمة واحدة
فأحالاه إلى الرهبان لعل و عسى يجدان أبا يفهم لغته, فأحاله هؤلاء بدورهم
إلى راهب يدعى بتريانو عاش في طليطلة مدة ثلاثة عشرة سنة فاعترف لديه و
أحلّه من ذنوبه, فعاد من هناك عبر بربينيون و خيرونا و مرّ قرب سرقسطة ليصل
إلى بلنسية ثم أليكانتي فأوريخويلا Orihuela حيث تعرف على أحد الجزارين فتعلّم مهنة الجزارة, و ختم بأن ما قاله و أدلى به هو الحقيقة…”.
"
بعد ذلك طلب وكيل المحكمة استدعاء برناردينو ميدرانو, الذي يقطن بالمدينة و
كان أسيرا في الجزائر, ليسألوه حول صحة إجبارية ختان المورسكيين الذين
يصلون هناك و ضرورة التزامهم بقوانين و أزياء المسلمين".
"في
مدينة كوينكا و بمقر محكمة التفتيش, يوم العاشر من شهر يناير 1634م, حضر
الجلسة الصباحية السيد المفتش دون سيبستيان دي فرياس الذي ترأس الجلسة
بمفرده, فأمر بإدخال رجل أدى القسم على قول الحق و كتم السر, و قال أنه
يدعى:
"دون برناردينو دي ميدرانو Don Bernardino de Medrano نبيل (ينحدر من هذه المدينة يبلغ من العمر حوالي 47 سنة.
سُئل أن يفيد في الفترة التي كان فيها أسيرا في الجزائر إن كان رأى أو سمع عن ختن المغاربة ) (5) القادمين من هنا دون أن يطلبوا منهم ذلك كي يصبحوا مسلمين أو يجبروهم بالقوة على زي و شريعة المسلمين".
"قال
أنه خلال الفترة التي طُرد فيها المسلمين من إسبانيا أٌسِر بمدينة الجزائر
و ظل بها لمدة ثلاث سنوات و شهرين و رأى بأم عينيه رجال الضبطية Adabajies يمرون
في الشوارع و إذا ما عثروا على مورسكي من إسبانيا غير مختون يمسكونه و
يزجون به بالقوة في أول ردهة تصادفهم فيفحصونه فإن لم يكن مختونا ختنونه
رغم أنفه و قد مات الكثيرون جراء الختان و كثيرون جدا أولئك الذين اشتكوا
للأسرى و إلى رجال الدين النصارى ختانهم ضدا عن رغبتهم لأنهم كانوا
كاثوليكيين نصارى لا يستطيعون الجهر بذلك أمام المسلمين و إنما أمام
النصارى الذين يثقون بهم, و تبدأ عملية الختان بعد إصدار إعلانات من طرف
العدالة بأن يتم ختان جميع المورسكيين شاءوا أم أبوا. و قد لاحظ هذا الشاهد
أن كل مورسكيي مملكة بلنسية كانوا مختونين, و نصف مورسكيي أراغون تقريبا,
بينما لا أحد من مورسكيي قشتالة و أندلوثيا كان مختونا حسب الرأي الذي كان
متداولا بين الأسرى و رجال الدين. و يعلم هذا الشاهد أن القس برناردو دي
مونرو Bernardo De Monrroy المخلص
العام لطائفة التثليث قد حصل على تفويض من قداسته (البابا) بالعفو عن
المورسكيين الكاثوليكيين الذين خُتنوا و قد رأى هذا الشاهد بأم عينيه بعضا
من مورسكيي إسبانيا يتوجهون للاعتراف رفقة الأب مونرو و يدير لهم الطقوس
الدينية".
"و
سُئِل إن كان يعلم أو سمع في الوقت الذي كان فيه في الجزائر إن كان
المغاربة يسمحون للنصارى الذين يعيشون بين ظهرانيهم بالدخول إلى مساجدهم".
"
قال حينما يكونون في المسجد للصلاة لا يسمحون بأي شكل من الأشكال بدخول
النصارى و لا حتى لنساءهم. و عندما لا يكونون في جماعاتهم من عادة البواب
السماح بالدخول بسرعة لمن سنهم بين السابعة و الأربعين. "
"
و سُئل إن كان في الفترة التي قضاها أسيرا في الجزائر قد سمع أو رأى
المورسكيين يختنون نصرانيا, فقال أنه رأى المسجد لكن لم يتوقف عنده و أنهم
حين الصلاة و تلاوة القرآن يوجد حرس على الباب لا يسمحون للنصارى و لنساء
المغاربة بالدخول".
"و
سُئل إن كان زي النصارى هناك مثل زي المغاربة أو مخالف له و إن كانوا
يسمحون بأن يرتدي النصارى زيهم و إن كانوا يجبرون الأسرى أو يقنعونهم بأن
يصبحوا مغاربة".
"قال
بأن الأسرى النصارى الكاثوليك يرتدون جميع أنواع الأقمشة التركية إلا
القلنسوة و يلبسون البني, لكن لا يسمح لهم بارتداء الزي الإسباني و إلا
انتزعوه منهم و ألبسوهم لباس العبيد الذي هو عبارة عن سراويل من أقمشة
بيضاء إلى الساق و قدمين حافيتين و صدرة واسعة إلى نصف الركبتين من الخيش
البني, و إذا كان الأسرى أطفالا أو نساء يُلبسهم المغاربة حسب زيهم حتى
يقنعونهم بشريعتهم بل و يجبرونهم على ارتدائها بالحبس و الهراوات و أفعال
أخرى مؤذية, أما الرجال فلا يقنعونهم بترك شريعتهم أو ارتداء زيهم".
" ثم سُئل إن كان في هذه المدينة أو بجوارها شخص عنده علم بالأشياء التي أدلى بها".
"قال لا علم عنده عن شخص ما قد يفيد بذلك غير خادمه المدعو فرانثيثكو يورتادو Francisco Urtado الذي
كان يعمل عنده قبل 4 سنوات و لا يعلم الآن مكان تواجده أو إن كان ميتا أو
حيا, ثم أكد أن ما قاله هو الحق الذي أدى اليمين عليه".
الدون برناردينو دي كويلار إي مديرانو Don Bernardino de Cuellar y
Medrano
"بعد
هذا التصريح للدون برناردينو دي مدرانو يبدو لي أنه يقدم شيئا في صالح
المتهم حول ما قاله عن الختان القسري و إن كانت هذه شهادة واحدة لا تشكل
بأي شكل دليلا كاملا. كما أكدت ذلك بخصوص أمر قليل الاحتمال, و إن كان صدر
من قوم متوحشين, فإنهم مقتنعون بأن من كان من نسل المغاربة أو عُرف بذلك
يجوز ختانه بالقوة " (رغم ذلك, قال وكيل المحكمة أنه بسبب وجود شاهد واحد
فقط , اعتبر المتهم مشتبها به و يجب أن يحال إلى التعذيب. مع ذلك قاموا
بالتصويت ليعتبر القاضي دييغو دياث بريئا و يجب العفو عنه بعد توبيخ شديد و
كفارة أمام الملأ لأنه تركهم يختنوه".
هكذا اختتم المحضر.
المصدر: المنشورات الالكترونية للجماعة الإسلامية بالأندلس.
الرابط: http://www.islamyal-andalus.es/index.php?option=com_content&view=article&id=7121:proceso-inquisitorial-constituido-contra-diego-diaz-morisco-castellano&catid=58:ha-al-andalus&Itemid=148
الهوامش:
(1) الأرشيف الكنسي لكوينكا. Leg 437, num 6169
(2) نفس الشيء ذكره الراهب دييغو دي هايدو Diego De Haedo في تاريخه العام للجزائر: "يتبولون جالسين القرفصاء كالنساء"
(3) "السبيل
الرابع للموروس هو ذاك الذي اتخذه أهل مماليك غرناطة, أراغون, بلنسية و
قطلونية بمرورهم باستمرار إلى هذه البقاع رفقة أبنائهم و نسائهم عبر
مرسيليا و أماكن أخرى في فرنسا, إنهم لا يرغبون في ركوب السفن من هناك لكن
الفرنسيين يحملونهم في قواربهم بكل سرور. كل هؤلاء إذن ينقسمون فيما بينهم
إلى طائفتين أو طريقتين في مناحي عديدة, فبعضهم يسمى مدجنا و هؤلاء هم فقط
أهل غرناطة و أندلوثيا, و آخرون يدعون ثغريين و يضمون أهل أراغون, بلنسية و
قطلونية. هؤلاء جميعا بيض و جميلو القوام مثل أولئك الذين وُلدوا في
إسبانيا أو جاؤا منها. يمارس هؤلاء الكثير و العديد من المهن لأنهم جميعا
يعرفون إحدى الفنون. بعضهم يصنع البنادق (الكابوسات Cabuces),
آخرون البارود, و البعض الآخر الأملاح, آخرون حدادون, نجارون, بناءون,
خياطون, إسكافيون, خزافون و في حرف و فنون أخرى مشابهة؛ و العديدون يعتنون
بالحرير و آخرون يتوفرون على محال تجارية تباع فيها كل أنواع البضائع.
جميعهم على العموم يُعتبرون ألذ و أشرس أعدائنا نحن نصارى بلاد البربر
لأنهم لا يملون أبدا و لا يرتوي عطشهم للدماء النصرانية الزكية. جميعهم
يلبسون وفق الموضة و الطريقة التي يلبس بها الأتراك الذين سنتكلم عنهم
فيما بعد؛ يوجد منهم في الجزائر حوالي ألف بيت…" دي هايدو. نفس المصدر,
الجزء الأول, الصفحة 50-51.
(4) "الرجل
الذي عنده ولد يحرسه إن أراد وقايته من هذا الفساد (اللواط) بنفس العيون
التي حَرَس بها آريوس* - و قليلون الذين لا يفارقونه بعد ذلك- " دي هايدو,
نفس المصدر الصفحة 176.
*
وفق الأساطير اليونانية آريوس هو عملاق ذو عيون كثيرة تنتشر في رأسه و
سائر جسده, ما يقارب 100 عين. و قد كلفته الإلهة هيرا بحراسة آيو التي
حولها عشيقها زيوس إلى عجلة. ولذلك قام آريوس بحراسة آيو وإبقائها مقيدة ً في شجرة زيتون مقدسة، بعيدا ً عن زيوس. لهذا يضرب به المثل في دقة الحراسة.
(5) هذه الفقرة غير موجودة في النسخة التي عربتها, و
قد عدت لكتاب الباحثة غارثية مرثيدس أرينال "محكمة التفتيش و المورسكيون.
محاضر محكمة كوينكا" التي نشرت هذا المحضر و أثبتته هنا. الصفحة 148.
كتبه و عربه هشام زليم المغربي.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire