lundi 23 janvier 2017

الكتاب والقرآن – قراءة معاصرة الدكتور المهندس محمد شحرور

مسألة السنّة (الكتاب و القرءان )(الرسالة) محمد ديب شحرور

ما هو المنهج المتبع في هذا الكتاب
من حق القارئ أن يسأل ما هو المنهج المتبع في هذا الكتاب، وكيف تم التوصل إلى هذه النتائج التي لا توجد في كتب السلف؟
إن النهج المتبع هو ما يلي:
1 – العلاقة بين الوعي والوجود المادي هي المسألة الأساسية في الفلسفة، وقد انطلقنا في تحديد تلك العلاقة م أن مصدر المعرفة الإنسانية هو العالم المادي خارج الذات الإنسانية، ويعني ذلك أن المعرفة الحقيقية “غير الوهميةليست مجرد صور ذهنية، بل تقابلها أشياء في الواقع، لأن وجود الأشياء خارج الوعي هو عين حقيقتها، لذا فإننا نرفض قول الفلاسفة المثاليين: إن المعرفة الإنسانية ما هي إلا استعادة أفكار موجودة مسبقاً.


وقد أكد القرآن الكريم هذا المنطلق بقوله:  

{والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون} 
(النحل 78).

2 –
 انطلاقاً من هذه الآية التي تقول: 

إن المعرفة تأتي من خارج الذات الإنسانية فإننا ندعو إلى فلسفة إسلامية معاصرة، تعتمد المعرفة العقلية التي تنطلق من المحسوسات عن طريق الحواس وعلى رأسها (السمع والبصر)، لتبلغ المعرفة النظرية المجردة، في ضوء المنجزات العلمية التي بلغتها الإنسانية في بداية القرن الخامس عشر الهجري، وندعو إلى رفض الاعتراف بالمعرفة الإشراقية الإلهامية الخاصة بأهل العرفان وحدهم أو من يسمون “بأهل الكشفأو “أهل الله”.
3 –
 الكون مادي والعقل الإنساني قادر على إدراكه ومعرفته، ولا توجد حدود يتوقف العقل عندها.
 وتتصف المعرفة الإنسانية بالتواصل، وترتبط بدرجة التطور التي بلغتها العلوم في عصر من العصور.
 وكل ما في الكون مادي.

وما ندعوه الآن (فراغاً كونياً) هو فراغ مادي، أي أن الفراغ شكل من أشكال المادة.
 ولا يعترف العلم بوجود عالم غير مادي يعجز العقل عن إدراكه.
4 –
 بدأت المعرفة الإنسانية بالتفكير المشخص المحدد بحاستي السمع والبصر، وارتفعت ببلوغها التفكير المجرد العام. 
لذا كان عالم الشهادة يعني في البداية العالم المادي الذي تعرف عليه الإنسان بحواسه، ثم توسع ليشمل ما أدركه بعقله لا بحواسه، وعليه فإن عالم الشهادة وعالم الغيب ماديان. 
وتاريخ تقدم المعارف الإنسانية والعلوم هو توسع مستمر لما يدخل في عالم الشهادة، وتقلص مستمر لما يدخل في عالم الغيب، وبهذا المعنى يظهر أن “علم الغيب” هو عالم مادي ولكنه غاب عن إدراكنا الآن لأن درجة تطور العلوم لم تبلغ مرحلة تمكن من معرفته.
5 – لا يوجد تناقض بين ما جاء في القرآن الكريم وبين الفلسفة التي هي أم العلوم، وتنحصر بفئة الراسخين في العلم مهمة تأويل القرآن طبقاً لما أدى إليه البرهان العلمي، وذلك وفق قانون التأويل في اللسان العربي الذي شرحناه بشكل مستفيض في الباب الأول من هذا الكتاب، وفي ضوء أحدث المنجزات العلمية.
6 –
 إننا نتبنى النظرية العلمية القائلة:

 إن ظهور الكون المادي كان نتيجة انفجار هائل، أدى إلى تغير طبيعة المادة.

 ونرى أن انفجاراً هائلاً آخر، مماثلاً للإنفجار الأول في حجمه، سيؤدي حتماً إلى هلاك هذا الكون وتغيير طبيعة بالمادة فيه ليحل محله كون (عالم) مادي آخر.

 ويعني ذلك أن الكون لم ينشأ من عدم (مع التأكيد أنه لا قديم إلا الله)، بل من مادة ذات طبيعة أخرى. 

وأن هذا الكون سيزول ليحل محله كون آخر من مادة ذات طبيعة مغايرة، وهذا ما ندعوه “بالحياة الآخرة”.
وانطلاقاً “مما سلف” قمنا بقراءة جديدة للذكر الذي 

تعهد الله بحفظه  

{إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}
  (الحجر 9)
 {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون}

  (النحل 44)
 معتمدين على الأسس التالية:
1 –
 مسح عام لخصائص اللسان العربي معتمدين على المنهج اللغوي لأبي علي الفارسي والمتمثل الإمامين ابن جني وعبد القاهر الجرجاني، ومستندين إلى الشعر الجاهلي.
2 –

 الإطلاع على آخر ما توصلت إليه علوم اللسانيات الحديثة من نتائج وعلى رأسها أن كل الألسن الإنسانية لا تحوي خاصية الترادف، بل العكس هو الصحيح، وهو أن الكلمة الواحدة ضمن التطور التاريخي إما أن تهلك أو تحمل معنى جديداً بالإضافة إلى المعنى الأول وقد وجدنا هذه الخاصية واضحة كل الوضوح في اللسان العربي.
لقد استعرضنا معاجم اللغة فوجدنا أن أنسبها هو معجم مقاييس اللغة لابن فارس تلميذ ثعلب” الذي ينفي وجود الترادف في اللغة، فقد تم الاعتماد عليه بشكل أساسي دون إغفال بقية المعاجم.
3 – إذا كان الإسلام صالحاً لكل زمان ومكان، فيجب الانطلاق بمن فرضية أن الكتاب تنزل علينا، وأنه جاء لجيلنا في النصف الثاني من القرن العشرين، وكأن النبي صلى الله عليه وسلم توفي حديثاً وبلغنا هذا الكتاب. لذا فإن القارئ يلاحظ بشكل واضح أننا في فهمنا للكتاب نقف على أرضية القرن العشرين دون إغفال التطور التاريخي لتفاعل الأجيال المتعاقبة مع الكتاب “التفاسير والمذاهب الفقهة”، حيث كانت نظرتنا لهذه الأدبيات على أنها تفاعل تاريخي مع الكتاب، ولذا فإنها تدخل ضمن التراث العربي الإسلامي. فالفقه الإسلامي الموروث يعكس المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في مرحلة تاريخية معينة، والتفاسير تعكس الأرضية المعرفية للمرحلة التاريخية التي كتب فيها التفسير، واعتبرنا أنها لا تحمل طابع القدسية.
وإذا كان هناك تناقض في كتب التفسير فإننا لم نحاول تأويل أقوال المفسر لكي نخرج المفسر بأنه على صواب دائماً، وهذا ما نفهمه من مصطلح القدسية، حيث أن القدسية هي لنص الكتاب فقط.
4 –

 إن الله سبحانه وتعالى ليس بحاجة أن يهدي نفسه أو يعلم نفسه ولذا فقد أرسل للناس هدى وليس لنفسه، لذا كل ما جاء في الكتاب قابل للفهم بالضرورة، ويفهم على نحو يقتضيه العقل، وقد جاء بصيغة قابلة للفهم الإنساني هذه الصيغة هي باللسان العربي المبين. وبما أنه لا يوجد انفصام بين اللغة والفكر الإنساني، فإننا نرفض القول بأنه توجد آيات في الكتاب غير قابلة للفهم، ونرى أن هذا الفهم تاريخي نسبي مرحلي.
5 –
 إن الله سبحانه وتعالى رفع من مكانه العقل الإنساني في معرض خطابه له، لذا فإننا ننطلق مما يلي:
أ – لا يوجد تناقض بين الوحي والعقل.
ب – لا يوجد تناقض بين الوحي والحقيقة “صدق الخبر ومعقولية التشريع”.
6 –
 بما أن الله سبحانه وتعالى رفع من مكانة العقل الإنساني فالأجدر بنا أن نرفع من هذه المنكانة ونحترمها، وعليه فإننا حاولنا جاهدين في كتابنا احترام عقل القارئ أكثر من احترامنا لعواطفه 

كما ذكرنا في أول هذه المقدمة.
الهدف من هذا الكتاب ولمن هو موجه
1 –

 يجب أن يفهم هذا الكتاب على أنه قراءةٌ معاصرة للذكر، وليس تفسيراً أو كتاباً في الفقه.

 ويجب أن يفهم على أن الهدف منه ليس البرهان على وجود الله أو عدم وجوده، حيث نترك هذا الاستنتاج لعقل القارئ نفسه، ونعتبر أن قضية الإيمان بالله أو الإلحاد هي مسلمة يختارها كل إنسان بنفسه نتيجة معاناة فكرية أو قناعة وراثية معتمدين على قوله تعالى

 {وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر .. الآية} (الكهف 29).
2 –
 من خلال القراءة الجديدة للذكر تبين لنا أن الفكر الإسلامي يحمل الطابع العالمي الإنساني، ومن هنا كان هذا الكتاب موجهاً إلى كل إنسان عربي أو غير عربي، مؤمن أو ملحد، وإلى كافة الاتجاهات العقائدية حيث نعتقد بأن كل إنسان سيجد شيئاً ما في هذا الكتاب يدخل ضمن قناعاته الخاصة، وقد يجد فيه شيئاً ما كان يبحث عنه.
3 –
 يلاحظ القارئ أننا قد تجاوزنا في كتابنا هذا ك أنواع التعصب المذهبي والطائفي، وكان رائدنا هو البحث عن الحقيقة بشكل موضوعي، وقد حاولنا جاهدين تجنب التأثر بالأدبيات التي كتبت عن الإسلام سلباً أو إيجاباً.
المراحل التي مر بها تأليف هذا الكتاب
إن الأخلاق الإسلامية تلزم الإنسان بأن يتحلى بالأمانة العلمية، لذا فإني أرى لزاماً علي تعريف القارئ بالمراحل التي مر بها تأليف هذا الكتاب حتى ظهر إلى حيز الوجود.
لقد مر هذا الكتاب بثلاث مراحل أساسية:
المرحلة الأولى: من عام 1970-1980
بدأت هذه المرحلة عندما كنت في الجامعة القومية الايرلندية في دبلن موفداً من قبل جامعة دمشق لتحضير شهادة الماجستير والدكتوراه في الهندسة المدنية، وكانت مرحلة مراجعات، ووضع أسس أولية لمنهج فهم الذكر، وفهم الرسالة والنبوة والمصطلحات الأساسية للذكر. 

وكانت مرحلة غير مثمرة، حيث تم فيها بحث منطلقات غير مترابطة وعاجزة عن فهم الذكر.



 وقد كان السبب الأساسي في ذلك هو التأثر بالمدارس التقليدية الموروثة والموجودة في الأدبيات الإسلامية القديمة والمعاصرة، والتأثر بالمنطلقات الموروثة اجتماعياً والتي اعتبرتها من المسلمات. وقد تبين لي بعد عشر سنوات أن هناك شيئاً ما في المسلمات التي نعتبرها من أساسيات الإسلامية ليست كذلك، حيث أننا لم نستطع تقديم نظرة إسلامية أصيلة إلى القرن العشرين ومشاكله، انطلاقاً من هذه المسلمات إلا عن طريق المكابرة واللف والدوران والوقوع في الوهم، وقد تبين لي بعد هذه السنوات من البحث أنني أسير في وهم وفي طريق مسدود وذلك للسبب التالي:
إنني نظرت إلى الإسلام كعقيدة من خلال مدرسة موروثة معتزلية أو أشعرية، وإلى الفقه من خلال مدرسة مذهبية موروثة “الفقهاء الخمسة”. وانتهيت إلى هذه النقطة الخطيرة والقاتلة للباحث العلمي الجاد، وهي أنه لا يمكن لإنسان أن يقفز قفزة أساسية نوعية في المعرفة والبحث إلا إ‍ذا اخترق المدارس الموروثة وخرج عنها، وحرر نفسه من إطارات هذه المدارس، حيث أن المدرسية هي نقطة قاتلة في البحث العلمي. وأعيد إلى الذهن ها هنا ما ذكرته في أول هذه المقدمة من مثال الرسام الذي رسم الوجه المعكوس من المرآة وقصة الشمس التي تدور حول الأرض وأمثل ها هنا لبعض المسلمات الإسلامية الموروثة المشكلة والتي بحثها كثير من المفكرين دون الوصول إلى نتيجة منها؛ ثبات الأعمال والأعمار والأرزاق، سيأتي الكلام عليها مفصلاً في حينه، وإنما يلزم القول هنا: إن الذي حال بين المفكرين عبر مئات السنين وبين حل إشكالية هذه المسائل أنهم كانوا ينطلقون من مسلمات معكوسة.
المرحلة الثانية: 1980-1986
في عام 1980 التقيت بزميلي وصديقي الدكتور جعفر دك الباب. حيث كنا زملاء في الاتحاد السوفياتي في الفترة الواقعة بين 1958 و1964 وكان يدرس اللسانيات، وكنت أدرس الهندسة المدنية. وبعد التخرج افترقنا، وكانت لقاءاتنا عابرة، وفي المناسبات. ولكنه في عام 1980 لاحظ من خلال أحاديثه معي أنني مهتم بأمور اللغة والفلسفة وفهم القرآن، فأطلعني على منطلق أطروحته للدكتوراه في اللسانيات التي قدمها في جامعة موسكو عام 1973 وكان موضوعها حول نظرية عبد القاهر الجرجاني اللغوية وموقعها في اللسانيات العامة، وقد قال لي إنه منذ ذلك الوقت وهو يبحث في أصالة اللسان العربي، وأن اللسان العربي أصل قائم بذاته ولا ينتمي إلى أسرة اللغات السامية.
وقد تعرفت عن طريق الدكتور جعفر على آراء الفراء وآراء أبي علي الفارسي وتلميذه ابن جني، وآراء عبد القاهر الجرجاني. فعند ذلك الوقت أدركت أن الألفاظ خدم المعاني، وأن اللسان العربي لسان لا يوجد فيه ترادف، وأن المترادفات ليست أكثر من خدعة، وأن البنية النحوية يرتبط بها خير بلاغي بالضرورة، وأن النحو والبلاغة علمان متتامان لا ينفصلان عن بعضهما، وأن الفصل بينهما كالفصل بين علم التشريح وعلم الفيزيولوجيا “الوظائف” في الطب، وأدركت من جراء ذلك أن هناك أزمة حقيقية في تدريس مادة اللغة العربية في المدارس والجامعات.
وانطلاقاً من هذا المنطلق اللغوي، بدأت بمراجعة آيات الذكر بشكل جدي، وانتهيت إلى المصطلحات الأساسية “الكتاب، القرآن، الفرقان، الذكر، أم الكتاب، اللوح المحفوظ، الإمام المبين، الحديث، أحسن الحديث”. وأخذت معنى “رتل” في اللسان العربي، فتبين لي أنه التنسيق والصف على نسق، فأخذت الآيات التي فيها لفظة القرآن، والآيات التي فيها لفظة الكتاب، ورتلتها (صففتها على نسق) واستنطقتها، فتبين لي الفرق بينهما. وقد توصلت إلى هذه النتيجة الهامة في أيار 1982. وبعد ذلك اهتديت إلى الفرق بين الإنزال والتنزيل والجعل.
ومن عام 1984 بدأت أكتب رؤوس أقلام، وأفكاراً رئيسية استنتجتها من آيات المصحف، وكنت أجتمع مع الدكتور جعفر كل بعام في دمشق في شهري الصيف ونناقش معاً الأفكار والآراء الجديدة التي اكتشفتها. وقد استمرت هذه الفترة حتى عام 1986. وكانت حصيلتها أفكارا منفصلة متبلورة ولكنها بحاجة إلى صياغة وربط.
المرحلة الثالثة: 1986-1990
بدأت هذه المرحلة بالصياغة الجدية لهذا الكتاب وربط المواضيع بعضها ببعض. فمن صيف 1986 وحتى نهاية عام 1987 تمت الصياغة الأولى للباب الأول من هذا الكتاب والتي كانت أهم مشكلة فيه، وبعد ذلك تمت صياغة قوانين الجدل العام وجدل الإنسان “نظرية المعرفة”. وقد قمت بصياغة الجدل العام صياغة أولية حتى صيف 1988، وبعد ذلك صغنا معاً أنا والدكتور جعفر قوانين الجدل العام الواردة في بداية الفصل الأول من الباب الثاني من هذا الكتاب، وذلك لدقة المتناهية المطلوبة في صياغتها. وقد طلبت من الدكتور جعفر دك الباب أن يقدم للقارئ المنهج اللغوي في كتابي هذا، ورجوته أن يكتب كتاباً مختصراً يعرف فيه بأسرار اللسان العربي لنشره مع كتابي في مجلد واحد.
ولا يسعني في آخر هذه المقدمة إلا أن أقدم جزيل الشكر والاعتراف بالجميل للدكتور جعفر دك الباب الذي أعتبره بحق أستاذي في اللغة العربية الذي علمني أسرار اللسان العربي وحاورني في كل ما يتصل بموضوعات اللغة العربية واستجاب مشكوراً لطلبي بتأليف كتاب “أسرار اللسان العربي” وقدم المنهج اللغوي لكتابي.
دمشق في كانون ثاني 1990
الدكتور المهندس محمد شحرور

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire