رواية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حمادي بلخشين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1/6
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجزء الأول
الفصل الأول
مائدة من السّماء
بسم
الله الرحمن الرحيم ....
من عبد الله السلفي الى
النّكرة الوضيع سامي أحمد ...
عليك لعنة الله و ملائكته وجميع
عباده الصالحين ... أيها الصّهيوني اللّعين قل لي بصراحة، كم قبضت من أعداء
الإسلام ؟.. لقد سبقك كثير من الزنادقة.. كلهم دخل مزبلة التاريخ، ستلحق بهم قريبا
إنشاء الله.. ثم هل تستطيع أن تخبرني، من تظن نفسك أيها الحقير، حتى تـتطاول على
علماء عظام أمثال الإمام الألباني محدّث العـصر، و الإمام احمد بن حنبل ناصر
السنة؟... أجبني أيّها الضالّ المضلّ.. من أنت حتى تشكّك في الأحاديث التي صحّت عن
الرسول و أجمعت عليها الأمة خلال أربعة عشر قرنا ؟!"
هذا بعض ما حمله صندوق
بريدي هذا الصباح ... تذكرته الآن، و أنا اقف بين جموع المصلين الذين اصطفوا وراء
الإمام الباكستاني ضياء الرحمن... في الواقع، لا يجوز لأي مسلم أن يدع التركيز
أثناء أداء الصلاة، وينساق مع أفكاره.. علّمنا الإسلام أن الشيطان هو الذي يحاول
إلهاء المصليّن بقدر ما يستطيع، حتى يحرمهم من بعض أجر الــصلاة، او ربما من كل
الأجر.. هناك أحاديث تؤكد ان الصلاة الرديئة الأداء تكوّر كثوب متسخ ، ثم ترمى على
وجه مؤديها فور فراغه منها .. رغم انني لم أضرب بشيء من ذلك القبيل منذ بدأت
الصلاة قبل ثلاثين سنة. فأنني أصدّق هذا الحديث الذي يحث المسلم في مدلوله
النهائي، على أداء صلاته بشكل جيد، خصوصا و ان هذا الصنف من المرويّات لا تنبعث
منه رائحة التزوير التي طالت أحاديث أخرى أضرّت بالمسلمين، و أسرعت بهم الى الحضيض
الذي يستقرون فيه منذ قرون عديدة ... لأن أمثال هذا الحديث لا يخدم مصلحة الحكام
المفسدين.. فماذا يهمّ الديكتاتور لو أحسن المواطن صلاته أو أساءها؟ المهمّ أن
يتبع ذلك المواطن المرعوب توصيّات الشافعيّ و ابن حنبل، فيحسن إغلاق فمه، لمنع أي
همسة احتجاج تتسرّب منه. و ليذهب بعد ذلك الى الجحيم، فتلك قضية لا تخصّ الحاكم،
ولا تعنيه في شيء.
إن خطيئة عرض أقوال النبي
على ضوء العقل و المنطق، للتمــييز بين الحديث الصحيح و المزوّر، هي أهم أسباب
كراهية السلفيين لي، لأنهم يؤمنون بصحّة الأحاديث، لمجرّد كون نقلتها ثقاة. اما لو
خالفت العقل و المنطق، فتلك مسألة غير ذات أهميّة. فالعقل لدى السلفيين في إجازة
مفتوحة،... هذا لو وجد أصلا .
حين سألني زميل عملي
النرويجي Dag عن السلفية أجبته :
ـــ " باختصار شديدة،
هي مدرسة غبيّة تتمسك بقراءة حرفية للنص الديني، نظرا لتزمت أصحابها
وضيق أفقهم، وسذاجتهم
الفطرية التي يؤمنون بموجبها بان استعمال العقل جريمة لا تغتفر، لأجل ذلك كان
السلفيون عون الحكام الفاسدين، و سلاحهم الذي لا يخطئ غرضه" .
لعنت الشيطان في سرّي،
يبدو انني سأقذف هذه المرّة بكل مزابل الدنيا و قاذوراتها...حاولت التركيز من جديد
لكنني لم أوفق. فقراءة الإمام الباكستاني كانت رديئة جدّا، وهذا يحنقني، كما كان
يسرع في السجود بشكل لم أتمكّن معه حين أضع جبهتي على الأرض، من التسبيح و لو
لمرّة واحدة.. وهذا يغيظني أيضا... يبدو ان الشيطان أكثر ما يكون اليوم إصرارا على
مشاكستي ..ساقتني تداعي الأفكار الى تذكّرالحديث الذي يقول بان الشيطان يحاول
إشغال المصلي بذكر أي شيء يلهيه عن التركيز في صلاته... وجدتني ابتسم من حكاية الرجل
الذي خبّأ مالا ثم نسي مكانه، فطلب من الإمام الدعاء له حتى يجده، أجابه
الإمام:" في الحقيقة، أنا غير واثق من ان دعائي سيحلّ مشكلتك، ولكني أنصحك
بان تصلي كثيرا هاته الليلة" . سأله الرجل :" لكن ما علاقة ضياع مالي
بصلاتي بالليل؟ أجابه الإمام :" قلت لك صلّ الليلة كثيرا... ستكتشف ان ذلك هو
الحلّ الوحيد" . بعد منتصف الليل إستيقظ الرجل و في نيّته الصلاة حتى الساعة
الخامسة صباحا... فور توجهه الى القبلة و شروعه في الصلاة ، تذكّر المكان الذي
خبّأ فيه المال... من شدة فرحه، قطع صلاته دون تسليم .. إتجه مباشرة الى حيث خبّأ
ماله... بعد اطمئنانه على وجوده كاملا، نام من فوره! في الصباح روي للإمام ما حدث
له، أجابه الأخير دون أن يخفي ابتسامته: "كنت أعلم أن الشيطان سيدلّك علي
مكان المال حتى يفوّت عليك أجر الصلاة !".
تذكرت أن الإمام
الباكستاني ضياء الرحمن من جماعة التبليغ.. أزعجني ذلك كثيرا.. ذلك يعني انه صوفي
و خرافي أي انه لا يؤمن بفصل الدين عن السياسية فحسب، بل و بفصله عن الحياة أيضا،
وهذا يشككني في جدوى الصلاة وراءه، بل يجعلني أتمنى فراغه من إمامتنا ..لا شكّ ان
صديقي الجزائري رشيد يكابد الآن ما أكابده من جهل الإمام بالقراءة و الصلاة .
تذكري رشيد جعلني أتذكر
نكتة رواها لي يوم أمس.. قبل ان أسوقها لكم .. لا بد ان أخبركم بأن في ثقافتنا
الإسلامية، اذا دخل المسلم قاعة الصلاة ووجد الصف كاملا ثم لم يجد مكانا يقف فيه،
فلا تجوز صلاته منفردا، بل يجب عليه أن يلمس كتف أحد المصلين فيفهم الأخير بأن
القادم الجديد يبحث عمن يشاركه الصفّ الأخير، وبالتالي يجب عليه التأخر ثلاث خطوات
دون أن يصرف وجهه عن إتجاه القبلة، ليقف معه في الصف الأخير... ذات مرة دخل أحد
المتأخرين فوجد الصف كاملا فلمسّ كتف أحد المصلين فتأخر الأخير ثلاث خطوات كما هو
مطلوب منه حينئذ احتل القادم الجديد مكانه، و تركه وحيدا مغتاظا!
فور انتهاء ضياء الرحمن من
الصلاة، استدار عن يمينه مستقبلا المصلين.. بعد تفرسه في وجوه الحاضرين.. أعاد
تسوية قبعته الأفغانية.. مرّر يديه المعروقتين على لحيته الرمادية الطويلة، قبل أن
يرفع يديه مستهلا دعاءه بصوت غليظ :
ـــ اللهم تقبّل منا أنك
أنت السميع العليم، و تب علينا أنك أنت التواب الرحيم.
لم يكترث الإمام
الباكستاني بمجموعة كبيرة وقفت فور فراغه من الصلاة لتكمل ما فاتها من ركوع و سجود
لم تدركها معه، استمر يدعو بصوت جهوري اخذ يرتفع تدريجيا إلى حدّ مزعج...كان أغبى
بكثير من أن يدرك ان ذلك الدعاء الذي شوّش به على المصلين مجرّد بدعة لا اصل لها
في الدين، كما كان يجهل ايضا أنه سيجبر بعض المصلين على لعنه في سرّهم، و لعن من
اختاره اماما، و لعن من وافق على إعطائه الفيزا لدخول مملكة النرويج.. ربما فعلوا
كل ذلك إثناء محاولاتهم جاهدين إعادة قراءة مقاطع القرآن التي لا تتم الصلاة
بدونها، و التي حال صوت الإمام دون قراءتها بتدبّر أو حتى دون تدبّر .
استمر ضياء الرحمن يدعو
دون مبالاة:
ـــ اللهم آتنا في الدنيا
حسنة و في الآخرة حسنة و قنا عذاب النار اللهم اغفر لنا ذنوبنا و كفّر عنا سيآتنا
و توفنا مع الأبرار ...
دون انذار، قذفنا بالدعاء
التالي :
ــ اللهم ربّنا انزل علينا
مائدة من السماء انك سميع الدعاء... اللهم..!
قاطعه رشيد... كان يجلس في
الصف الثالث الى جانب شيخ صومالي:
ـــ يا ربّي، يا ربّي بل
أنزل عليّ صاعقة من السّماء، لو صليّت ثانية خلف هذاالإمام الجاهل!
إنقسم الحضور بين ضاحك
يتلوّى على الأرض من طرافة المشهد، و بين متسائل عن سبب ثورة رشيد، و بين من شرع
يذم رشيد بعد مغادرته المسجد، على سوء أدبه، وعدم مراعاته حرمة بيوت الله،
بالإضافة الى تشويشه على المصلين.
في حقيقة الأمر، لم يكن
ضياء الرحمن هو الإمام الرسمي للمركز الثقافي بقرينلاند، و لم يكن حتى نائب
الإمام، لأنني أنا الذي ينوب الإمام الرسمي حبيب الرحمن عند غيابه عن أوسلو أو حين
تأخره عن موعد الصلاة .. ما جعل ضياء الرحمن يتقدم المصلّين في هاته الليلة، هو
حمله للحية ضخمة لا أملك مثلها، ثم تقدّمه في السن، هذا بالإضافة الى كونه حافظ،
أي انه يحفظ كل القرآن من صفحته الأولى الى آخر سطر منه .
رغم انني أحفظ كل القرآن،
وأتقن العربية وأفهم الإسلام بالشكل الصحيح، فقد قررت إدارة المركز الثقافي
بالإجماع وضعي على الرّف منذ حضور ضياء الرحمن الذي نزل ضيفا على المركز الثقافي
رفقة مجموعة كبيرة من جماعة التبليغ التي جاءت من باكستان لتبلغ مسلمي النرويج
المساكين دينهم، على الرغم من أن أفراد تلك المجموعة لا يتقنون لا النرويجية و لا
العربية، و لا حتى الانكليزية!
فور قدومه الذي حدث منذ
أسبوع، شرع ضياء الرحمن في مذبحة حقيقية للغة العربية وتحريف مروّع لحقائق
الإسلام، ممّا حمل بعض المصلين على هجرة المركز الثقافي لبعض الوقت .
صديقي رشيد فرّ من أول يوم
حلّ فيه ضياء الرحمن، كذلك فعلت انا. غير ان المعلومات الخاطئة التي وصلتني عن خروج
ضياء الرحمن الى مدينة "درامن " للدعوة و التبليغ، هي التي أعادتني الى
المركز، ليس لوحدي، بل و انا أجرّ صديقي رشيد، و كأنني أقوده الى منصّة الإعدام .
لدى وصولنا الى المركز
الثقافي، و حين صدمنا بوجود الإمام، كان علينا ان نبقى مكرهين فقد حان وقت صلاة
العشاء .
بعد مغادرة رشيد قاعة
الصلاة، إلتف المصلون حول الإمام الذي لم يتوصّل الى فهم سبب ثورة صديقي الجزائري
!
ــ أعوذ بالله من ضعف
الإيمان، لو كان ذلك الشقي مؤمنا حقا، لما تمنّى الموت بصاعقة من السماء،فلا يجوز
تمنّي الموت بصاعقة أو غيرها .
هكذا علق كريم حامد ...
سلفي ليبي اشتـبكت معه قـــبل يومين، حين سمعته يلعن من بال واقفا !
كان كريم حامد يجلس في
الصف الأول، ولما كنت جالسا خلفه اقتربت منه ثم همست في إذنه :
ـــ الرجل الذي
سميته شقيا هو أكثر منك إيمانا.
حين التفت و رآني، نهض كمن
لسعته عقرب.. اتجه نحو الباب و هو يقول :
ــ أعوذ بالله... هذا ألعن
من أخيه الذي خرج !
أردت ان اقول للسلفي
الليبي ان رشيد تصدّى لحكامه المفسدين، في حـــين اكتفى هو بالتصفيق لدكتاتور
ليبيا.
اضاف و هو يرمقني بحقد
ظاهر:
ــ لولا علمي بانك لم تعد تصلي
هنا، لما عدت لأرى وجهك.
ــ بالمناسبة، تمني الموت
يكون جائزا، بل مطلوبا اذا كان ينقذ المرء من رؤية تافه مثلك .
ــ يا زنديق ... لو كنت في
ليبيا لوقع إعدامك لخروجك على الحاكم ومخالفتك إجماع الأمة .
ــ ذكرتني انك ليبي...
جميل جدا ... سلفي و ليـــبي في آن واحد.... كـــان يكفي ان تكون ليبيا لأعتبرك
أحمقا فكيف بليبي سلفي !
في ثقافتنا الشمال افريقية
يعد الليبيون موضع تندر التونسيين و الجزائريين و المغاربة .. لما اشتهروا به من
سذاجة تصل الى حد البلاهة، و قد أكد الرئيس الليبي معمر القذافي هذه القاعدة التي
كانت الى حد صعوده الى السلطة موضع شك !.. حين سمع الناس بانقلاب عسكري حدث في
ليبيا اعتقدوا أن عسكريا عثر في الطريق فانقلب على وجهه!.. من الطرائف التي راجت
عن غفلة الليبيين، ان نتائج كل مباريات كرة السلة كانت في أحد المواسم صفرا مقابل
صفر . وقد اضطر الليبيون الى جلب خبير من الخارج لدراسة تلك الظاهرة الفريدة ...
لم يحتج الخبير الى جهد كبير حيث اكتشف لأول وهلة أن الكرات التي تستعملها كل
الفرق الليبية كانت أكبر بكثير من السلّة !
ــ لو كان الأمر بيدي، ما
سمحت لك بدخول أي مسجد في أوسلو لأنك ضالّ ومضلّ.
ـــ و انا لو كان الأمر
بيدي لحبستك مع الحمير لتعلمك الحكمة و الذكاء.
تدخل شيخ مغربي كان
يراقبنا صامتا :
ــ أخ سامي... لا تقل هذا
لأخيك المسلم.. لا تـنس انك إمام و قدوة .
ـــ عفوا سيدي، و لكن هذا
الشخص لا يؤمن لا بأخوّتي و لا بإسلامي، بل يعتقد كما سمعته منذ قليل اني أضل
الضالين، ولا استحق حتى دخول المسجد .
ـــ نعم انا مصر على انك
لا تستحق دخول المسجد، لأني سمعتك بنفسي تهزأ بحديث الرسول و انك...
ــ متى حدث ذلك؟
ــ بلغني انك تقول في
دروسك المسمومة أن وجه المرأة ليس بعورة، و أن غطاء الوجه ليس من الإسلام و انه
تقليد يهودي قديم كما سمعتك بنفسي تقول بان الأحاديث الواردة بتغطية الوجه
لا أساس لها من الصحة.
ــ و ما زلت اصرّ على أنه
ليس من الإسلام تغطية وجه المرأة .
ــ بذلك تبدي جهلك و
تشكيكك في علماء الأمة.
ــ أنصحك بمراجعة أفكارك
الموروثة حتى لا تجعل إسلامك مجرّد مصادفة جغرافية.
قبل ان انهي كلامي، تلقى
السلفي الليبي مكالمة من هاتفه النقال أجبرته على الانسحاب من قاعة الصلاة ثم من
المسجد .
" لقد كفّر الدكتور
صادق النيهوم عن جميع أخطاء و حماقات الليبيين الماضية ولمدّة ألف سنة
قادمة". هكذا قال لي رشيد ذات مرة.. وافقته فورا فالمفكر الليبي الكبير زعزع
القاعدة التي أكدها الدكتاتور القذافي عن ضعف الملكات الليبية، حين أبدى براعة
أدبية فائقة و قدرة خارقة على تشخيص مواضع الخلل في العقلية الإسلامية التي شكلها
الفكر السلفيّ المتخلف .
سألني حارث بيتروفيتش الذي
وصل متأخرا:
ـــ ما شأن أخينا رشيد ..
لقد اصطدمت به حين كان يغادر المسجد كالإعصار.
ـــ أغضبه الإمام
الباكستاني الذي وضع نفسه في مكان النبي عيسى، فطلب من الله ان ينزل مائدة من
السماء ليس على بني إسرائيل كما هو معروف ، بل على المركز الثقافي بالنرويج !
بكل براءة سألني حارث بيتروفيتش
:
ــ يعني هذا.. أن هذا
الدعاء غير جائز ؟َ.
ــ بالطبع غير جائز، فقد
مضى زمنه، هذا بالإضافة الى انه يخص النبي عيسى عليه السلام ، و قد أجاب الله
دعاءه .وانتهى عصر المعجزات.
ــ و لكن اليس القرآن
معجزة دائمة؟
ــ نعم و لكن معجزة القرآن
ليست مادية تخص جيلا فقط مثل عصا موسى و مائدته و إحياء عيسى للموتى بل هي معجزة
مفتوحة لكل الأجيال تقوم مقام نبي جديد يبعث في الناس.
حين لاحظت اهتمامه أضفت:
ــ لما كان محمد آخر
الأنبياء ولما كانت الأجيال ستـتـتابع من بعده، كان لا بد لكل جيل أن يجد في القرآن
معجزة متجددة ...أما معجزة القرآن في العصر الحديث فتضمنه لإشارات علمية أكدها
العلم الحديث فمثلا .. حينما استبعد الكفار بعث أجسادهم بعد الموت اخبرهـم القرآن
بان الله قادر على بعثهم بأدق خصائصهم الأشد فردية، أي التي لا يشاركهم فيها احد
من مليارات الناس .. أعني بصمات أصابعهم! فلا أحد يشاركك بصمات أصابعك.
ـــ في أي موضع من القرآن
أجد ذلك؟
ـــ في سورة القيامة
((أيحسب الإنسان ان لن نجمع عظامه بلى قادرين على ان نسوّي بنانه)) و البنان هي
إطراف الأصابع التي فيها البصمات و لو أراد الله غير ذلك لقال بلي قادرين على
تسوية مخه أواعادة تركيب عينه أو انفه أو إذنه و هي أعضاء اشد تعقيدا من تركيبة
الأصابع .. و على العموم تجد الكثير من تلك المعجزات في كتاب العالم الفرنسي
موريس بوكاي ..
قبل ان يغادرني حارث
بيتروفيتش أضفت:
ــ الإنسان لا يصبح مسلما
بمجرد اعترافه بوجود الخالق، لأن وجود الخالق مسألة بديهية و لكن حين يقر بان الله
هو المشرّع و الآمر ... ابليس مثلا اعترف بــان الله خلقه و لكنه رفض اتباع اوامر
الله فكفر بذلك ... فالسلفية و الإخوان حين يساندون الجنرالات الذي يحكمون بقانون
غير اسلامي هم في حقيقة الأمرلا يختلفون عن ابليس في تصورهم للدين.. كي تكون مسلما
يجب ان تجيب على سؤالين. السؤال الأول تاخذ عليه صفرا حتى لو كانت إجابتك صحيحة.
لأن جوابك سيثبت فقط انك عاقل أي انك جدير بدخول الامتحان، وهو كالآتي: من خالق
الكون و مدبره ؟ أما السؤال الثاني فمن له حق التشريع؟ .
قبل أيام قليلة لاحظت
انكباب حارث بيتروفيتش على حفظ القرآن .
ـــ يكفيك ما حفظت منه ...
الأهم ان تطّلع على تفسير القرآن و تاريخ الإسلام .
كان حارث بيتروفيتش يتطلع
اليّ بدهشة حين أضفت :
ـــ هل تعلم ان الصحابة
الذين يقدّر عددهم بسبعة آلاف تقريبا لم يحفظ منهم القرآن سوى أربعة أو خمسه فقط؟!
ــ عجيب !
ــ هل تعتقد أن هذا الإمام
الببغاء الذي يردّد القرآن دون فهم، أحرص على مرضاة الله من الصحابة؟
ــ لا اعتقد ذلك خصوصا و
قد سمعت أمس يدعو بعد الصلاة فيقول ( ربّ اني نذرت لك ما في بطني محرّرا)
ضحكت مع حارث بيتروفيتش
كثيرا لهذا المهزلة التي أنست سابقتها .
استمر حارث بيتروفيتش:
ـــ في الحقيقة، لم أكن
لأتفطن الى دعوة الإمام المضحكة، لولم اكن مطلعا على تفسير الآية . فقد قرأت أن
تلك الجملة القرآنية هي من كلام والدة مريم عليها السلام ، قالتها في شكل تضرع لله
و هي حامل بمريم، و تتضمن نيتها في ان تهب مولودها لله كي يخدم الهيكل في بيت
المقدس ..
سكت حارث بتروفيتش قليلا
ثم اضاف ضاحكا:
ـــ السؤال المطروح
... أخي سامي هو ما عسى يحمل الإمام في بطنه ؟!
وضعت يدي على كتف الشاب
البوسني و أنا اقول :
ـــ أمعاء و أرز و أشياء
أخرى بالغة القذارة ... المهم بالنسبة لي أن يعفينا مـــن جنين سلفي مزعج، و ليحمل
في بطنه ما يشاء!
الفصل الثاني
مأساة حارث بتروفيتش
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حارث بيتروفيتش شابّ بوسنيّ
في الثلاثين من العمر جيء به إلى النرويج بعيد إجتياح الصّرب مدينه
سراييفو.. كان حارث بيتروفيتش يحمل ضميرا معذّبا و ذكريات دامية و جروحا لا تندمل.
كان يدخن بشكل
مريع.
ـــ في النرويج فقط بدأت أدخن .
حدثني حارث بتروفيتس ذات صباح نرويجي
كئيب، قال:
ــ كان يوم أحد حين وقعت
مأساتنا العائلية ... صرفت معظم ذلك اليوم و أنا أساعد ابن عمّي " بيرم
" في أعمال بناء حظيرة إضافية في مزرعته... حين اتضح تسرّعنا في اتخاذ
قرار انجاز العمل بمفردنا، كان الأمر لا يحتمل التراجع.. كان خليط
الرمل و الإسمنت قد أصبح جاهزا، و لم يكن في إمكاننا تأجيل وضعه في مكانه..
أصبح بيرم عصبيا .. لامني كثيرا على ثقتي في صديقي فيكتور الذي
وعد بالحضور و لم يفعل. رغم انني وعدته بأجر مضاعف.
ـــ ابن العاهرة . لقد شغله السّكر عن
الحضور ... لقد أخطأت حين اعتمدت عليه...سأصرفه عن العمل
.
كنت أدرك ان بيرم غير جاد في
تهديده .. فقد حاول أكثر من مرّة طرد فيكتور، لكن والدي كان يجبره على
التراجع .. بيرم يحترم والدي كثيرا، لأنه عمه و صهره .
حين عدت الى البيت، كان الظلام
مخيما على قريتنا الصغيرة، كنت أفكر في شيئين.. الأكل حتى قبل الإستحمام
.. لم آكل شيئا طوال اليوم .. البيتزا التي أحضرتها لنا "عبادات"
ابنة بيرم كانت معدّة بلحم الخنزير، حتى البيتزا الأخرى التي اشتراها
بيرم لعشائه كانت من نفس النوع ... بيرم سيقضي هذه الليلة وحيدا، زوجته ذهبت
الى سراييفو مع زوجتي لحــفل عرس.. ستبيتان هناك. "غدا اذهب لإحضارهما
معا" ... حين لا حظ بيرم خيبتي قال وهو يتناول أول قطعة من البيتزا :
ــ لا تكن متعصبا، قل باسم
الله ثم
كل.
حين اصررت على الامتناع . سألني
و هو يفتح زجاجة الكولا:
ــ بحق السماء، مالفرق بين
خنزير وبقرة ؟ أليس الخنزير ايضا من مخلوقات الله؟ .
بيرم يدرك جيدا انني أبعد ما يكون عن
التزمّت... و لكن على الرغم من عدم تديني ، فالتدخين والخمر و لحم الخنزير ،
بالنسبة لي بمثابة خطوط حمراء... و لكن لأسباب صحيّة لا غير..
لم تكن جهنم التي أعدّها الله لتاركي الصلاة هي التي تخيفني، بل سرطان
الرئتين، و تليـّــف الكبد، و الدودة الشريطية القاتلة التي يحتوي
عليها لحم الخنزير
.
" الخنزير حيوان لا يغار على
أنثاه، و من داوم على أكل لحم الخنزير، أصبح مثله، لا يغار على أنثاه ... و من أكل
لحم الدجاج أصبح جبانا" اذا سألت ابي" و من أكل لحم الذئب ؟ .
كان يضحك ثم
يجيب" أصبح الماريشال تيتو" و اذا سألته :
" و من داوم على أكل لحم
الحمار؟" كان يجيبني :
" أصبح مثل ولد اسمه
حارث !"
سكت صديقي حارث بتروفيش، اطرق طويلا
ثم استمر:
ـــ حدثني ابي كثيرا عن المذابح
التي ارتكبت ضد المسلمين في عهد الماريشال تيتو، أعلمني ان الماريشال اللعين قتل
400 ألفا من المسلمين
ذات مرة ، حين لاحظ أبي إهتمامي
المبكّر بالنساء ... قال لي:
" يبدو أن حالتك
استعجاليه، سأزوجك في اول فرصة"
أضاف بعدها :
" لتبدأ أولا
بحيـازة النصف الأول من دينك، لعلك تغلب شيـــطانك فتكمل النصف الآخر،
لأموت بعد ذلك مطمئنا! "
كان أبي قد علمني منذ الصغر حديث
الرسول" من تزوج فقد ملك نصف دينه "
قلت ممازحا :
" زوجني
امرأتين، لأكمل كلّ ديني و أطمئن عليّ من الآن ! "
لم يبتسم أبي. كنت جرحا في
قلبه، هكذا كان يقول لي. لا لشيء، إلاّ بسبب تركي الصلاة .
" اذا كان ابن الإمام لا
يصلّي، فمن يصلي في هذا البيت اللعين؟ "
منذ بلغت العاشرة كان ابي يبدي
تذمّره مــن تـركي الصلاة ...كان يفضي بــــشكواه الى كل زائر يحلّ بيننا. و حين
يذكر الزائر دماثة خلقي كان أبي يردّ عليه دائما :
" لا أريده مواطنا صالحا
فحسب، أريده مسلما ".
أشعل حارث بيتروفيتش سيجارة برينس
نرويجية نفث دخانها ثم أضاف متنهدا:
ـــ لم اكن أصوم ألا في مخيلة ابي و
أمي و أختي التي تـكبرني بست سنوات، و حين تزوجت شاركتني زوجتي عادة الأكل خفية في
شهر الصيام .
فور انتهائي من الخدمة
العسكرية زوجني ابي فتاة اخـــترتها...
ابتسم حارث بتروفيتش طوح برأسه الأشقر
ثم استمر:
ـــ الزواج لــــم يضمن لي نصف
ديني، بل ضاعف اهتمامي بالنساء، و فتــح لي أبوابا كنت أجهلها... لم اكن
أفوت فرصة العلاقات العابرة اذا كانت في منتهى السرية ، و كنت مزودا بواقي
ذكر أو كندوم .
أطلق حارث بتروفيتش زفرة حرّى ثم واصل
سرد مأساته:
ـــ فور دخولي البيت طلبت من والدتي
إحضار الطعام.. أعلمتني ان والدي سيكون بيننا بعد عشرين دقيقة .. لم
اكن في حاجة الى سؤالها عن مكانه ... كنت اعلم انه يؤمّ المسنّين من أمثاله
.
المصلوّن
في قريتنا، مثل مجلس السوفيات الأعلى، أصغرهم في السبعين. هكذا علق
بيرم ذات مرة ... كنا نتندّر على مسجد قريتنا، كان بمثابة مأوى للعجز لا يرتاده
غير أصحاب الأولوية على قائمة انتظار الموت... البوسني لا يصلّي الا بعد سنوات
عديدة من حصوله على التقاعد أو بعد عودته من الحج.. لم يعد يربطنا
بالإسلام غير ختان الأطفال و حج الشيوخ هناك من أهل البوسنة الملتزمين
القلائل من ضحّى بخنزير و من الملتزمات من صامت و هي حائض
.
" حارث، يمكنك ان تأكل
قليلا في انتظار قدوم والدك....نصف ساعة على الأكثر .
ثم بما يشبه الإعتذار :
" أنت تعلم
جيدا ان اجتماعنا وقت الطعام مقدس لديه " .
" وأنت تعلمين ايضا مشكلة
معدتي، فأنا لا استطيع ان آكل بين وجبتين ، سأستحم في انتظار قدومه"
حين اتجهت الى نافذة
الحمام كي أغلقها، كان صوت المؤذن يصلني من بعيد .
لقد أساءت والدتي التقدير،هكذا
حدثت نفسي، وانأ انزع ثيابي "بعد عشر دقائق فقط سيكون والدي بيننا
"....لم يستغرق استحمامي سوى ست دقائق ، كان مـجرد إزالة للعرق و التراب، حين
خرجت، كانت والدتي تضع آخر
الصحون.
" يا الهي، هل نسيت
شيئا ؟ "
ألقيت نظرة سريعة على المائدة ثم قلت لها.
" نعم لقد نسيت شيئا هاما ...
الا اذا كنت مصممة على إعادة غسيل فستانك الذي يبدو لي نظيفا
"
ابتسمت والدتي، صكت وجهها ثم
ذهبت الي المطبخ لإحضار بعض
المناديل.
كان ابي يصرّ على وجود منديل حقيقيّ
على مائدة الطعام ... كان يكره المناديل الورقية .
كان من عادة أبي اذا إفتقد
المنديل ان يسأل والدتي و شقيقتي :
"من منكما جهز المائدة
؟... لتتقدم فورا!"
كانت أمي أو شقيقتي
تتقدم منه بحذر وهي تتطلع الي محتويات المائدة، كل منهما كانت تدرك ان
والدي سيستخدم فستانها كبديل عن المنديل المفقود! لأجل ذلك
كانتا تحضران المنديل بمجرد سؤاله "من جهز المائدة
؟!"
...فيما كانت والدتي مشغولة
بوضع المناديل على الطاولة، سمعنا ثلاث طلقات رصاص .
اقتربت من النافذة
للإستطلاع أدرت المزلاج
:
حذرتني :
" لا تفتح النافذة ،
تذكر انك خرجت من التو من حمّامك... ستصاب بالتهاب في حنجرتك "
كنت أعيد إغلاق النافذة
حينا سمعتها تقول :
" لا شك أنهم قد شرعوا
مبكرا في مطارة الكلاب الضالّة "
كانت ساعتنا الحائطية القديمة تشير
الى السادسة و عشر دقائق .
لم أتخيل قط ان انتماءنا الديني قد
أعفى الكلاب الضالة من المطاردة في تلك الليلة المشئومة، لنكون بدلها
على رأس المطاردين
!
طلبت من والدتي سروالا و قميصا
نظيفين، دخلت الى غرفتي، خلعت روب الحمّام و لبست السروال. حين أدخلت راسي في جيب
القميص، قدرت ان الوقت مناسب للخروج الى قاعة الجلوس.. حين خطوت أول خطوة خارج
غرفتي، و قبل ان أكمل إنزال القميص لأستر بطني و ظهري، فوجئت بباب
شقتنا يفتح بقوة، ثم شاهدت أبي يقذف الى الداخل ليسقط أرضا.. قبل ان أفيق من
صدمتي، كانت غرفة الجلوس تغص بمجموعة من المسلحين، كانوا يرتدون ثيابا
مرقطة، لم اعرف منهم غير جارنا
فيكتور!
كانت علاقتي بفيكتور عادية... كان
وحيد أبويه، و كان يكبرني بسنتين .. كانت تربطني به علاقة كنت
أظنها وثيقة الى حدّ تلك الليلة المشئومة.. كان فيكتور رفيق صباي و
زميل دراستي، وكان كثيرا ما يلجأ الي بيتنا كلما طرده والده السكير
لينام في غرفتي حتى صباح اليوم التالي، كانت والدتي شديدة العطف عليه
تنهدحارث بتروفيتش ثم اضاف:
ـــ حين كان صبيّا، كانت والدتي
تزوده بملابسي القديمة.. كان والد فيكتور بخيلا ولا يكاد يفيق من
سكره، و حين أفلست تجارته، وجد مشنوقا في غرفته... حين كبرنا
أصبحت و ما زلت، أشارك فيكتور مغامراته النسائية.. كان فيكتور يستغل غياب والدته
عن البيت لجلب النساء المشبوهات. لم أذكر انني آذيت فيكتور مرة واحدة،
كل ما عابه عليّ قبل أربع سنوات انني خلّصت من قبضته فتاة صربية كان قد
شرع في إغتصابها
ـــ ...
ـــ كنت يومها وحيدا في البيت، حين
سمعت صراخا في الخارج ثم طرقا عنيفا على باب منزلنا، حين خرجت، وجدت
جاراتنا الصربيات يشرن الى نافذة فيكتور.. هن ايضا أخرجهن صراخ الفتاة، كان
لا بد لي ان أتحرك، صعدت السلالم الخشبية و طرقت عليه الباب و رجوته ان يترك سبيل
الفتاة ...عرفت هوية الفتاة حين رأيت دراجتها تحت السلالم الخشبية .. كانت
دون سن الرشد، وكان والدها ضابطا كبيرا... كثيرا ما حذرت فيكتور من مثل تلك
المغامرات الطائشة.
حين طرقت باب شقته، أمرني
بالإنصراف فورا ، حين أصررت .. طمأنني بان الـــفتاة في طريقها الى الخارج،
قبل ان ينهي كلامه أزيح جزء من ستائر النافذة أطلت الفتاة . ناشدتني :
" انتظرني لا تغادر.. سأنزل الآن ن مباشرة "
لم تكمل الفتاة جملتها، حين انطلقت
منبهات سيارة الشرطة...كانت قادمة من بعيد .
حينما اقترب صوت السيارة اطل
فيكتور من النافذة ثم قال لي :
ــ يا بن العاهرة، أعلم
انك استدعيت الشرطة .
قلت له :
" انا آخر من خرج من الجيران،
و ليس في بيتنا هاتف، فكيف استدعي الشرطة ؟!
"
لم يبق امامي سوى بضع درجات من
السلم الخشبي، حين توقفت سيارة الشرطة أمام الييت.. نزل منها أربعة
مسلحين توجهوا مباشرة الى شقة فكتور .. بلغنا صياح فيكتور و احتجاجه ،
بعد أقل من دقيقتين انزلوه مكبلا .
قبل ان يشحن في سيارة الشرطة، بحث عني في الجمع الحاشد، و حين استقرت علي عيناه، قال متوعدا :
ـــ حارث ايها
اللعين، سأنتقم منك، تذكر هذا جيدا
.
بعد اقل من سنتين خرج فيكتور من
سجنه ... لم أعلم بخروجه، إلا حين فوجئت به يطوقني بذراعيه قبل ان
يشكرني على الخدمة الجليلة التي أسديتها له حين صعدت الى
شقته.
" لو تأخر صعودك بضع ثوان،
لقبض عليّ متلبسا
".
حين التقى بي ثانية،
أعلمني أن زوجة جارهم جوزيفيتش هي التي تولت
استدعاء الشرطة.
حين إحتاج بيرم الى عمال
إضافيين في مزرعته، أخبرت فيكتور.. رغم أدائه السيّئ، اردت ان اشغله بالعمل عن
العربدة و إزعاج الجيران....
الآن فقط أدركت، أن تخلف فيكتور عن
موعـده، كان بسبب انشغاله بالإعداد لحملته الصليبية
!
أمرنا اكبر المسلحين سنا
بالالتفات نحو الجدار و رفع أيــــدنا فوق رؤوسنا، شرعت والدتي في
البكاء، قلت لفيكتور
متوسلا:
ــ ابي شيخ كبير، والدتي
مريضة... أرجوك
...
لم يدعني أكمل قال لي هازئا:
" لا تشغل بالك ..
سنجعلهما يستريحان الي الأبد ".
ناشدت فيكتور :
ــ فيكتور.... نحن جيران وفي
النهاية أبناء وطن واحد، هذا لا يصح
.
حين لم يجب فيكتور ، زمجر احدهم مكانه:
" سنعيد الأمور الى
نصابها، فلا مكان هنا للمسلمين بعد اليوم" ردتت عليه
محتجا:" نحن لم نقدم من أثيوبيا ؟ نحن بوسنيين مثلكم و هذه بلدنا
ايضا"
صاح أكبرهم سنا بصوت يشبه
النباح
:
" كان ينبغي على جدك
الإلتحاق بالجيوش العثمانية حين غادرت البوسنة منذ زمن طويل: و لكن يبدو ان
الفرصة فاتتكم . على كل حال لن نحرمكم قبورا
هنا"
حين رأيت أقصرهم قامة يجرّ والدتي الى
حيث ألقي أبي، اندفعت نحوه حتى أخلصها من قبضته، ظننت ان ما يقومون به مجرّد
إرهاب قد يحملنا على مغادرة القرية.. بلغتني قبل مدة قصيرة إشاعات عن نية
الصرب إجلاء المسلمين عن البوسنة، لم اكن أتصوران ذلك الإجلاء سيكون عن
الحياة أيضا... قبل أن أصل إليه سمعت دويّ طلقتين.. رغم قرب المسافة التي
تفصلني عن الرامي، ضلت الرصاصتان طريقهما، أصابت أحداهما كتفي الأيسر لتحدث به
خدشا . قبل تستقر على باب المطبخ فيما طاشت الأخرى لتحطم
صورة عائلية، كان يبدو على الرامي انه يطلق النار لأول مرة في حياته
.
قبل أن ألتفت أحسست بقبضة تلتف
حول عنقي، ثم ضربة شديدة على مؤخرة رأسي. لم اشعر بعدها بشيء .. خيل
الي سماع صوت إطلاق نار في مرتين متقطعتين.. بعد مدة أصبحت تصلني اصوات
قهقهات، و نكات بذيئة مختلطة بأصوات ملاعق ترتطم بالصيني
..
حين فتحت عيني كان خمسة من أفراد
المجموعة يجلسون حول المائدة التي جهزتها والدتي لعشائنا، كانت
الساعة الحائطية تشير الى السابعة وخمس دقائق، أدركت أنني غبت عن وعيي
خمسين دقيقة. لم أستطع رفع رأسي من الأرض ، كنت مستلقيا على بطني و يداي موثــقتان
وراء ظــهري. كنت أحس بألم رهيب في مؤخرة رأسي، شرعت أجول بعيني في نواحي الغرفة
بحثا عن والديّ، لم ار أيّا منهما..
أجهش حارث بتروفيتش ببكاء مرّ... أضاف
حين فرغ منه:
ـــ لم أستطع تغيير وضعي لأتمكن
من مجال أوسع للرؤية. حين لا حظ احد الصرب رجوعي الى الوعي نظر الي ثم
ربت على بطنه و قال
:
" وليمة فاخرة ... اليس
كذلك .... لم يكن ينقصنا الا الخمر"
أضاف آخر:
" كنا نجهل انها آخر
ما سنعثر عليه في بيت إمـــام.. سكت قليلا ثم عقب متجشئا: "
على كل حال ســــيتولى فيكتور إحضار بعضها.
ثم وهو يرفع صوته :
" فيكتور، لقد أفاق جارك أخيرا
".
سمعت خطوات تقترب مني ثم
أحسست بيد ترفعني من الأرض، و تقلبني على ظهري .. وصلني صوت غليظ :.
" هيا اخبرني اين أجد
المال، لقد فتشت عنه في كل مكان؟"
كان فيكتور قد خرج فورا من
غرفتي متبوعا بشخص آخر .
..حينما صرت على ظهري أحسست أن رجلي
قد ارتطمت بشيء صلب .
كان صاحب الصوت الغليظ لا يزال
يصيح بي :
" أين المال يا أبن
العاهرة ؟ هيا أخبرنا ".
قبل ان أجيبه، تمكنت بصعوبة من
الإتكاء على جنبي الأيمن، لأصدم برؤية ابي...كان يــرقد الى
جواري،عيناه مفتوحتان وخده الأيسر غارق في بركة من
دماء.
حين لا حظ فيكتور محاولة
اعتمادي على يدي اليمني لأتمكن من مجال رؤية أوسع قال لي"
ـــ لا تتعب نفسك لقد لقيت أمك نفس المصير... انها في المطبخ
ثم وهو يطالعني بابتسامة ساخرة:
.. لم أجحد معاملتكم الحسنة لنا طوال
25 سنة ...
أضاف مبتسما:
" رصاصة في الرأس دون الم... لا
شك أنهما الآن في الجنة ".
شرعت في البكاء ... كانت الصلة
التي تربطني بوالديّ جد وثيقة.
قال لي احدهم وهو يشعل
سيجارة:
ـــ لا شك انك ستشكر
فيكتور كثيرا على المعاملة الإستثنائية التي تلقاها العجوزان . كما ستشكره
أكثر لأنه وهب لك فرصة حياة جديدة.. ولكن خارج البوسنة النصرانية .
ركلني آخر وهو يحتجّ :
" و لكن ليس قبل أن يدلنا عن
مخبأ المال"
ثم وهو يركلني مرة أخرى :
" ايها الكلب المحمدي انطق
بسرعة .. اخبرني فيكتور انك تسلمت راتبك الشهري، قبل اقل من أسبوع
".
لم يكن فيكتور يحتاج أكثر
من التوجه الى خزانة ملابسي لإحضار المال الذي دللته عليه.
ألقى فيكتور بحزمة الأوراق
المالية فوق الطاولة، ثم التفت نحوي :
ــ رغم إصرار رفاقي على إعدامك،
فسوف أمنحك فرصة للنجاة... لم انس قط إننا جيران .
" و لكنك نسيت ذلك
وأنت تقتل والديّ! "
" أرجوك حارث
بيتروفيتش... كن واقعيا... لن يتحمل العجوزان مشقة التـنقل في ليلة شتوية
كهذه، بالإضافة الي انعدام فرصة نجاتهما من ذبح مؤكّد ".
ساعدني فيكتور على النهوض ،أعطاني
مهلة دقيقتين حتى أغادر البيت، دون ان احمـــل معي شيئا، حتى حذائي لم أتمكن من
أخذه .
نبح أكبرهم سنا:
" بعد نصف ساعة
سنقوم بدورية.. لن تجد فيكور بجانبك لوعثرنا عليك في طريقنا
"
طلبت رؤية والدتي ، لم يسمح لي
بذلك...
حين مررت بالباب تغاضى عني
فيكتور وهو يراني أتناول معــــطفي المـــعلق، حين احتج رئيس المجموعة، ردّ
عليه فيكتور:
ــ تذكر انك وهبته لي.. ثم احتج
رئيسه ثانية صاح فيكتور محتجا :
ــ مالفرق بحق السماء بين
الموت بردا أو برصاصة في الرأس"... سمح لي باخذ معطفي قبل بالخروج
.
... نصحني فيكتور بسلوك الطريق
الغابي و أن لا أحاول الظهور على الطريق الرئيسي.. قبل اجتيازي الباب.
اخبرني همسا بان تسع فرق ذبح تقوم بزيارات مماثلة لكل بيت مسلم في
قريتنا.. حين توسلت إليه بان يخبرني عن نهاية والدتي صرف عني وجهه ثم
قال:
" أطلقنا عليها النار قبل والدك
، و ماتت على الفور دون ان تـنبس بكلمة واحدة " سكت قليلا ثم أضاف في شبه
اعتذار:
" لم تتعذب ... كانت ميتة
سهلة ".
تابع بعد ذلك :
" لقد خلصت والدك من تعذيب
رهيب.. تصوّر.. لقد شتم قائدنا الذي غضب كثيرا حين رفض والدك حمل الصليب، و
حين طلب منه ان يردد: اشهد ان عيسي بن الله أجابه: بكل شجاعة: بل اشهد
انك ابن عاهرة.. لقد إعــتقد والدك بانك قد قتلت. لأجل ذلك كان يائسا
وعنيفا، لم يكن يخشى ضياع أي شيء.. حين أصرّ قائدنا على ذبحه، منعته من ذلك،
هـددته بتبليغ القيادة العامّة بأنه قد صفّى قسّا صربيا لأسباب شخصية بحتة، حين
كنا في طريقنا الي بيتكم.. و فيما كنا نتجادل حول مصير والدك، تلقى
رادوفان...قائدنا... مكالمة من هاتفه الجوال، انتهزت فرص خروجه من الغرفة
وأطلقت النارعلى والدك. طلقة واحدة في الرأس.. لم يتعذب هو أيضا...
قبل ان يغادرني افادني فيكتور:
" خدمة أخري سأسديها لك:
لا تأمل بوجود مكان آمن قبل عشر كيلومترات، ستصادف في القرية المجاورة ضيوفا غير
مرغوبين. حظ سعيد" قبل ان يغلق الباب، ذكرني فيكتور بمهلة النصف
الساعة التي منحت لي ..
مسح حارث بتروفيتش بقايا دمعة، سحق
سيجارةالبرينس ثن استمر:
"حينا تعودت عيناي على
الظلام رأيت جزمة بلاستيكية عالية الرقبة إعتاد والدي استعمالها عندما تغطى
الأوحال الطريق.. لبستها .. قبل ان أغادر المكان، جمعت بعض ثياب
الغسيل التي نشرتها والدتي في
صباح نفس اليوم ،
كنت متأكدا اني سأحتاج إليها.. حين خرجت من حدود قريتنا، كان النهر على
يساري و الغابة على يميني .. حين لاحظت وقوف سيارات أمام بيوت المسلمين،
غادرت الطريق الرئيسي ...ثم توغلت في مسلك
غابيّ.
تطلع حارث بتروفيتش، الى سقف الغرفة أرسل زفيرا حادا ثم استمر
:
ـــ كان البرد مميتا، و الليل شديد
الظلمة، وكنت أرجو ان أ فيق من الكابوس الذي أعيشه، كنــت جائعا و دامي
القلب .. حين قطعت قرابة ميلين توقفت سيارة كبيرة ــ كانت قادمة
من سراييفو ــ أمام اول جسر قبل قريتنا.. قفز منها ثمانية رجال مسلحين توجهوا فور
نزولهم الى مؤخرة الشاحنة ثم شرعوا في إنزال الركاب .. كان
أكثرهم نساء و أطفالا.. كانوا حوالي خمسين شخصا... كان صراخ الأطفال، وعويل
النساء يشقّ سكينة الليل... النساء اللاتي كن فوق الأربعين من العمر.. كنّ
مطلقات السراح، اما الرجال فكانت أيديهم موثقة وراء ظهورهم ... فور تجميعهم
أمام الجسر، سمعت صوت القائد يأمربفصل الرجال عن النسـاء و الأطفال، و تخصيص
احد إفراد المجموعة لحراستهم .. بعد ذلك أمر القائد بإلقاء الأطفال
دون سن الخامسة في النهر.. أخذت النساء يصرخن و يتوسلن ، في حين شرع الرجال
الذين اجبروا على الجلوس على ركبهم يرفعون عقيرتهم بالتكبير.. انفلت ثلاثــة
منهم و توجهوا لتخليص الأطفال من قبضة الوحوش الصربية... لكن سرعان ما
حصدتهم نيران الحارس الموكّل بهم ،بعد ذلك أمر قائد المجموعة بإطلاق الرصاص
على رجلي كل أسير من الرجال لمنعه من التحرك ... رغم الجراح ، كان
التكبير يرتفع عاليا... بعد ذلك اصدر القائد أمرا بالشروع في
ذبح النساء والأطفال الذين هم فوق الخامسة ... كان أكثر من نصف النساء قد
أغمي عليهن .. كن يلتقطن من الأرض كأكياس فارغة ليتم ذبحهن . تمنيت لو استيقظ من
الكابوس... نسيت الجوع و البرد و الم مصابي بوالديّ.. رأيت سيدة محجبة
تركع تحت رجلي قائد المجموعة و تتوسل إليه ان يوفر ابنتها الصغيرة . ركلها
برجله .. تجاوزها ، حين تمسكت ببنطلونه، إستل القائد سكينا من حزامه و
جثم فوقها و اخذ يوجه لها طعنات في أماكن غير قاتلة .. كان يقصد تعذيبها دون
شك، ..حينما عضته من ربلة ساقه، قام بذبحها ... كانت استغاثة المرأة و هي
تذبح تقطع نياط القلب..
بكي حارث بتروفيتش، على الرغم من جمود
عينيّ كنت قد سبقته بالبكاء :
ـــ في تلك اللحظة افتقدت رحمة
فيكتور !... تذكرت قول احد القتلة ــ" سوف تشكر فيكتور كثيرا على
المعاملة الإستثنائية التي تلقاها العجوزان
".
كان الرجال الذي اجبروا على
الجلوس على ركبهم يرفعون أصواتهم بالتكبير. و كلما ازدادت الركلات التي كانت
تنهال عليهم من قبل الحارس الموكل بحراستهم كانت وتيرة التكبير تتصاعد من حناجرهم
. وددت لو ان فيكتور كان قد أجهز عليّ، ليوفر عنى شهود تلك الفظائع...
كان الواحد من هؤلاء الجزارين يمسك المرأة أو الطفل من خلفه ثم يدنيه الى حافة
الجسر حتى يلصقه بالجدار ثم يمسك شعره بيسراه قبل ان يذبحه بيمينه ثم يتركه
ليسقط متخبطا في دمائه ليتجه الي الضحية الموالية التي كانت تستقبله بالإستعطاف و
العويل ... لم يرحموا صغيرا و لا كبيرا ... كانت طريقة القتل واحدة لا
تتغير، يبدوا انهم تدربوا عليها جيدا، لم اكن أتصور ان تلك الأشياء
يمكن ان تقع في غير أفلام الرعب... حين انتهوا من النساء و الأطفال، توجهوا
الى الرجال، كانوا عشرة أو يزيدون قليلا... تولوا بطحهم
ثم إنزال سراويلهم . كانت أيدي الأسرى موثقة وراء ظهورهم، حتى تلك
اللحظة لم يكفوا عن التكبير.. اثنان من الصرب كان يمسكان الأسير من يديه واثنان من
رجليه، قبل ان يقوم الخامس باستئصال جهازه التناسلي... بعد ذلك يتركونه
يتخبط في دمائه .. كان الصراخ الذي يصدرونه مرّوعا . حين انتهوا من آخرهم ، مالوا
الى الرجل الأول فذبحوه، ثم الثاني و هكذا . حين أتموا العملية، جلسوا
يدخنون و يتبادلون النكات البذيئة ، قبل انصرافهم، القوا بكل الجثث في
النهر.
أشعل حارث بتروفيتش سيجارة اخرى أخذ
نفسا عميقا ثم استمر يقول:
ــ كانت قدماي قد تجمدتا من
البرد، لففتهما بقميصين من غسيل أمي ثم وصلت مسيري نحو سراييفو ... خلال الست
ساعات الموالية، تكرر مشهد المذبحة ستّ مرات، كانت المذابح تتم على الجسور و
بطريقة واحدة، باستثناء مرة واحدة ألقي فيها كل الأطفال في البحر، و لكن
قطعت فيها جميع أثداء النساء ومذاكير الرجال. في المرة الرابعة لم يتم انزل
الجميع دفعة واحدة .انزل الأطفال أولا ثم النساء و أخيرا الرجال . في المرة
الخامسة، جيء بالرجال فقط .أما في المرة الأخيرة فقد جيء بالنساء لوحدهن
.
ها هي وحوش الصرب
تستفيد من تجارب ذبح المسلمين، فتتدارك الخلل فور تفطنها إليه ، كي لا تقع في نفس
الخطأ مرتين،..هذا جيد، سجل عندك " لتنفيذ هولوكست دون إزعاج، يجب قبل كل شيء
الفصل ما بين الضحايا : الرجال لوحدهم، والنساء لوحدهن و الأطفال لوحدهم ...
اللعنة على السلفية العمياء ... لم يكفها مرور 1400 سنة من التجارب الفاشلة و
المغموسة بالدم كي تدع عبادة الحاكم الفرد، و تلقي بالمستبدين في الحاوية...
الشافعي و بن حنبل هما رمز السلفية و مهندسا خريطة طريق
الآلام التي نسير وفقها منذ اكثر من 1250 سنة...لم يكف بن حنبل سكوت المسلم
عن فساد حاكمه... حتى اشترط عليه حبه في
السرّ!!
"ايها الملحد من أنت حتى تتطاول
على احمد بن حنبل؟". لم اهتم بثورة كريم حامد أجبته بهدوء: " لست ملحدا
... أنا مسلم اقتدي بأصحاب محمد و بابي حنيفة العظيم ...لأنه يمثل
اسلام محمد
.
كان أبو حنيفة مستنيرا و
شجاعا... لم يكن يقبل أي حديث يروى عن محمد قبل عرضه على ما جاء في القرآن ...
لأجل ذلك أصبح مكروها لدي السلفية ... رفض أبو حنيفة تولي أي منصب حكومي...كان
يقول: لو كلفني الحاكم بإحصاء الحجارة لبناء مسجد فسأرفض فورا..حين علم
بوجود حركة تمرد ساعد إفرادها بالفتوى و المال... لأجل ذلك سجن ثم قتل
.
خجلت كثيرا حينما تفطنت الي ان حارث
بتروفيتش، توقف عن سرد معاناته، و اخذ يتطلع الي بشيء كبير من خيبة الأمل...
اعتذرت عن شرودي الذي لم يكن يقبل التبرير .
بعد ان سرد علي إحداثا دامية
اخرى، رجوت حارث بتروفيتش تأجيل سرد معاناته لفرصة اخرى بعدما وجدت نفسي
انخرط ثانية في البكاء.. حين فرغت من البكاء، كفكفت دمعي،ثم لعنت
الغباء السلفي الذي كان المسبب الحقيقي للمذابح المستمرة التي استهدفت
المسلمين .
لولا الغباء السلفي الذي
منح شرعية البقاء للحاكم الوراثي و الانقلابي. ثم
برر بأحاديث نبوية كاذبة مصادرة حق المواطن المسلم في اختيار حاكمه و
نقده وعزله. ولولا توصيات السلفية بضرورة إدارة المسلمين
لخدودهم اليسرى بعد لطم خدودهم اليمنى ، لما رخص دم المسلم في كل بلاد
الدنيا و لما أصبح المسلمون أيتاما بلا كيان سياسي يتبني قضاياهم و
يدافع عنهم في المحافل الدولية. ولولا السلفية الحمقاء لما أصبحت بلاد
المسلمين مسلخا حقيقيا تنتهك فيه حقوق الإنسان ولما أصبحنا في
نهاية المطاف . و نحن الذين أراد الله لنا ان نحمل مشعل تحرير كل البشرية عبيدا
لجنرالاتنا الحاكمين و نهبا لسكاكين الصرب و الهندوس المتعصبين
.
ودعت حارث بتروفيتش ثم انصرفت
كسيرا
مهموما.
الفصل الثالث
هروب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أمامي ليلة
نرويجية طويلة لا بدّ لي أن أنفق بعضها في التجوّل بين شوارع أوسلو و ساحاتها...
من الضروري أن يهدني التعب، حتى أصل الى شقتي اللعينة في شارع" كولستا غاتا
" الرهيب بأكثر قابليّة للنوم.
كانت الساعة الإلكترونية تشير الى السادسة و الربع مساء، مضت ثلاث ساعات على الغروب الافتراضي للشمس المحتجبة عن مدينة أوسلو منذ اول أمس .. النرويج تقع في سقف الكرة الأرضية , ليس هناك منطقة مسكونة تفصلها عن القطب
الشمالي.. الشتاء النرويجي مدمّر للأعصاب... لمدة ستة أشهر كاملة من
كل سنة، يلف نصف النرويج ظلام دامس ... إقامتي في النرويج مثل وجودي في الحياة، لم اختره بمحض إرادتي... تولّت جهات أخرى
اختياره نيابة عني.. . صحيح ان حركة النهضة التي كنت انتمي إليها قد هرّبتني الى النرويج دون استشارتي. ذلك كان قدري... عليّ أن أؤمن بأن الله قد كتب عليّ تمضية ما تبقى عمري في النرويج، هذا إن لم أرحّل بالقوة الى تونس... بلدي الأم ...
إمكانية تسليمي الي جلاّدي بلادي ما
زالت قائمة بعد أحداث 11سبتمبر2001.
إيماني بالقدر لا يمنعني من لعن حركة النهضة التي أبعدتني عن قطرة لتضعني تحت شلال
من الماء... حركة النهضة عاملتني كأداة جريمة حاولت إخفاءها في أي مكان حتى تتنصل
من مسؤولية أعمالها.. لا تناقض بين إرادة الله و إجرام حركة النهضة في حقي ... حين
علم الله ان حركة النهضة ستنفيني كتب علي ّذلك ... ليس هناك في القدر جبرية الا في
المخيلة السّلفية المعاقة.
حينما سألني حارث بيتروفيتش:" هل الإنسان مخير أم
مسيّر؟ "
كان رشيد حاضرا... أجابه نيابة
عني:
ـــ
الجواب متعلق بماهية ذلك الإنسان.
ـــ ما ذ ا تعني ؟
ـــ اذا كان سلفيا أو إخوانيا أو شيعيا فهو مسيّر، وما سوى
تلك الأصناف فمخيّرة.
ـــ
اشرح لي من فضلك... لم افهم ما تعنيه .
ـــ
السلفيون مسيرون من قبل شيوخهم، و الإخوان المسلمون مسيرون من قبل المرشد
العام للجماعة، و الشيعة مسيرون من قبل مراجعهم...كما ان شيوخ الصوفية ومرشد
الإخوان ومراجع الشيعة مسيرون بدورهم من قبل الدكتاتوريات المحلية المسيرة
بدورها من قبل الإدارة الأمريكية .المسيرة
بدورها من قبل اللوبي الصهيوني
سأل حارث بتروفيتش ثانية:
ـــ ما اردت معرفته هو الآتي: هل
الإنسان حر في اعماله أم هو مجبر على فعلها؟
تبسم صديقي
الجزائري رشيد ثم استمر موضحا:
ـــ فهمت
قصدك من اول وهلة، و قد اجبتك بما يلي:
على الإنسان العاقل ان يؤمن بأنه
مخير في كل اعماله.. فلو لم يكن
هناك اختيار للفعل و ترك الفعل لبطلت حرية
الإرادة. و لو بطلت حرية الإرادة لما كان
لإثابة المطيع و لعقاب العاصي أي معنى غير
العبث المحض و الظلم البيّن و حاشا لله الحكيم ان يعبث و العادل ان يظلم .
قبل اسبوع...حينما كنت
في بيت رشيد، راقبت بغيظ شديد برنامج حوار
تلفزي..بثته قناة" آن. أر كو" ظهر فيه شاب باكستاني متدين. كان ذلك
الشاب يحاول بكل ما اوتي من غباوة سلفية مميتة،
إقناع قسّ نرويجي في ارذل العمر،
بان الإنسان مجبر على أعماله! وددت لوكنت بجانب ذلك المغفل الباكستاني كي الطمه
على وجهه ثم أتعلل بان الله هو من لطمه و
ليس أنا! .
تدخلت موضحا :
ــ...لأجل ذلك جاء في
البخاري استنادا للرؤية السلفية السائدة عصرئذ أن الإنسان لا يدخل الجنة
بعمله ، فالسلفية تعتقد اعتقادا جازما ان افعال العباد مخلوقة من قبل الله ..أي
انهم مكرهون على فعلها.. بذلك التصور المريض برروا ظلم الحكام لأن الحكام مكرهون
ايضا على ظلمهم و فسادهم و حتى على
ذبح معارضيهم.
سألني حارث ببتروفيتش:
ــ
و لكن ما رأي الإسلام في المسألة؟
ــ الإسلام
يرى ان الإنسان هو الذي يخلق افعاله، و ان الله هو الذي مكنه من اعضائه و اعطاه
الحرية كي يفعل بها ما يشاء...
ـــ .....
ـــ ذات مرة
جيء لعمر بن الخطاب بسارق، حين سأله: ما حملك على السرقة أجاب : قدر الله.
حينئذ رد عليه عمر: و انا اقطع يدك بقدرالله!
الحمق السلفي أوقع
بعضهم في مواقف صعبة ...ذات مرة سال احد زعماء السلفية يهوديا " لم لا تسلم ؟أجاب اليهودي:"
لو شاء الله لأسلمت ". رد عليه السلفي :" الله شاء ذلك، لكن شيطانك هو
الذي لم يشأ". حينئذ رد عليه اليهودي:" اذا فانا مع الأقوى!"
علق حارث بتروفيتش:
ــــ لا
شك أن حمق السلفي هو الذي قاد اليهودي الى ذلك الاستنتاج المضحك.
ـــ ما وصل إليه اليهودي، يمثل روح العقيدة السلفية القائلة بان الله
اجبر المؤمنين على الإيمان و الكفار على الكفر!
اندفع رشيد يقول :
ــ ذكرتني بحوار طريف دار بين مؤمن و ملحد جمعت بينهما
روح الدعابة . قال المؤمن : نبات الشعر بعد
إزالته عن فرج أمك أكبر دليل على
وجود المنبت أي الله! رّد عليه الملحد :
كان عليك أن تعلم قبل ذلك أن عدم نبات بظر أمك بعد قطعه.. اكبر حجة على عدم وجود
الخالق ! "
ضحكنا جميعا ...استغل حارث بيتروفيتش فرصة الحديث عن الفروج , فسألني عن ختان المرأة
في الإسلام.
ـــ لم يصح
شيء في ختان المرأة... على العموم الختان
تقليد فرعوني عرفه أهل مصر منذ القدم .
ـــ و لكن السلفية تقول بان ختان
النساء سنة .
ـــ
ليس هناك حديث واحد يثبت ان الرسول أمر بختان البنات . .
قال رشيد بحماس:
ــ لو فدينا كل بظر مسلمة يقطع، بلسان سلفي يساند الدكتاتورية... لأستمتعت نساء
المسلمين بالجنس، واستمتع رجالهم بعالم ليس فيه ظلم و لا إجرام .
استمر رشيد يقول :
ـــ منذ اسبوع مضى، اتصل بي صهري الذي يقيم في السويد ... اخبرني أن سيدة سويدية
أسلمت حديثا فلزمتها امرأة صومالية
" لزوم الغريم للغريم و الكلب لأصحاب الرقيم " حسب تعبير بديع الزمان
الهمدانيّ حتى أقنعتها بضرورة إجراء الختان حتى يكمل إسلامها ! عند إجراء الختان
الذي يبدو انه تم بطريقة بدائيّة حدث للمسكينة نزيف حاد كاد يودي بحياتها، فكانت
فضيحة سويدية كبرى أسالت حبرا كثيرا
دون توقف واصل رشيد :
ـــ عندما مات "تاليران" الوزير الأكثر فسادا في
تاريخ السياسة الفرنسية، كان الشيطان في استقباله، قال له: انا جد مسرور بلقائك
... و لكن لا بد من الإعتراف بانك قد تجاوزت تعليماتي! ها ها .... انصتوا الى هذه الطرفة .... ذات ظهيرة
اكفهر فيها الجو و امطرت السماء...لم يتمكن الزوج من مغادرة البيت للتخلص من صحبة
زوجة بغيضة... لأجل ذلك اصيب باكتئاب حاد... فيما هو كذلك .. اقتربت منه زوجته...
نظرت الى خلفية النافذة ... تأملت الجو العاصف .. زمت شفتيها..ادارت رأسها يمينا و
شمالا... تنهدت ثم قالت" رباه لأي شيء يصلح هذا اليوم الكئيب؟"... رد
عليها الزوج من فوره : " للطلاق !"…
.... كان
رشيد يمر ذلك المساء بحالة اكتئاب ايجابية ..ايجابيتها كانت تتمثل في سماحها
له ببعض البهجة الإستثنائية، و سماحها لنا بالإستفادة بكل ما كان يقوله .. في تلك الحالة الخارجة عن سيطرته ،كان رشيد ينطلق كفرس بريّ لا يوقفه شيء ..
كأنّ قوّة غير مرئيّة تجبره على
نفض ما في جرابه من معلومات و طرائف وتعليقات ساخرة قد لا يربط بينهما رابط .
طفق رشيد يقول:
ـــ على ذكر
السلفية، منذ أكثر من سنة روى لي
صهري حادثة اطرف من هذه بكثير ...
بطل هذه الحادثة سلفي جزائري .. باختصار شديد ..كان احد مساجد
ستوكهولم مهجورا الا من عدد قليل من مسلمات سويديات قد دأبن على
الصلاة في قاعته الرئيسية نظرا لغياب العنصر الرجالي عن الحضور... حين حل شهر
الصيام، ثم بدأ الرجال يرتادون ذلك المسجد، كانت النسوة و اكثرهن سويديات، قد
اعتدن على الصلاة منفردات في ذلك المصلى المعدّ أصلا للرجال... لم يكن يثنيهن عن
تلك الصلاة نظرات سلفي جزائري كان يؤلمه ذلك الإنتهاك الخطير اكثر من مليون مرة مما كان يؤلمه احتلال العراق أو تدمير افغانستان أو ما
جرى في البوسنة و الهرسك من تطهير عرقي استهدف المسلمين .
تدخل حارث بيتروفيتش:
ـــ اعتقد أن الصلاة كانت مختلطة زمن
الرسول ... اليس كذلك ؟ .
ـــ نعم ... كما كانت النسوة يخرجن
خمس مرات من بيوتهن للصلاة في المسجد. بل و يخرجن لمداواة الجرحي وحتى القتال مع
الرسول ... اذا احتيج اليهن طبعا... و قد أثني الرسول ذات مرة على أم عمارة.. سيدة مسلمة دافعت عنه في احدى المعارك ... أما
عمر فقد عين امرأة لمراقبة الأسعار في سوق المدينة. في حين تصر السلفية
الحمقاء في مطلع القرن الواحد و العشرين
على منعهن من ارتياد بيوت الله .
واصل رشيد :
ــ
كان لا بدّ للإنفجار السلفي أن يحصل.. و قد حدث وقت الذروة .. ساعة صلاة
الجمعة .. مما ضاعف عدد الحضور.
تنحنح رشيد ثم استمر يقول:
ــ قبيل صعود الإمام الى المحراب،
فوجىء المصلون بسلفي كهل..( صاحبنا الجزائري) ... يخترق صفوف المصلين لاعنا زمنا
فقد فيه الحياء و اختلط فيه الرجال بالنساء، حين وصل الى صف النساء .. توقف. ثم استدار نحو
الرجال، لكن خطابه كان موجها للنساء
ـــ لم فعل ذلك ؟
تساءل حارث بيتروفيتش.
ـــ لأنه لا
يجوز له رؤية العورات... أي النساء !
واصل
رشيد:
ــــ
حين ولى النساء ظهره ، شرع يصيح في
وجوه الرجال ويلوّح بيديه مهددا، كان
المشهد مضحكا.. أخذ يصرخ بشدة :
ــــ
مالذي جاء بكن الى هنا؟ ألم تخصص لكن قاعة؟ أتردن ان تحلّ علينا اللعنة
بسبب اختلاطن بنا؟ ثم لماذا تأتين الى المسجد أصلا ؟الم ينصحكن الرسول بلزوم
قعر بيوتكن؟.
عندما شرعت
احداهن في الكلام.. استدار السلفي نحوها ليعلم من هي، حالما تحقق من هويتها
اعطاها ظهره! تكلمت المرأة بلهجة مهذبة... وعدته
بالرجوع الى قواعدهن بداء من الجمعة القادمة .. حين هم بالعودة من حيت أتى.. انفجرت في وجهه، عفوا بل في
ظهره، سيدة أخرى... كانت في حوالي
الخمسين .. أعلمته ان الصلاة كانت
مختلطة في العهد النبوي... صاح فيها:
ـــ الدين يؤخذ من الفحول و ليس من
ناقصات العقول.
ردت عليه :
ـــ
كان الرسول يقول خذوا نصف دينكم من زوجتي عائشة.
صاح فيها:
ـــ اخرسي يا فاسقة... لا تذكري اسم الرسول على لسانك، فلو
كنت تحترمين الرسول لسترت عنا وجهك!
اجابته:
ـــ
أنت الفاسق و الجاهل ايضا .
حينئذ صاح السلفي:
ـــ ايها الأحباب
اعرف جيدا هذه المرأة ... رغم زعمها انها مسلمة فانها
تعيش مع سويدي كافر في شقة واحدة !
ضجّ الحضور من قسوة التهمة .. نصحه
أكثر من واحد باحسان الظن بالمسلمين، لكنه اصر على اتهامه .. حينئذ تقدمت منه المرأة ثم جذبته
من قميصه ... ظلت ممسكة به وهي تقول :
ـــ يجب جلد هذا الرجل حدّ القذف لأنه كاذب ... ثم
سالته:
ــ هل تقصد بالرجل؟ كارل؟ .
صاح السلفي :
ـــ
نعم كارل.. الله اكبر الله اكبر...
هاهي اعترفت امامكم .
ثم هو ينظر إليها :
ـــ لا تزعمي أن ذلك السكير قد أسلم
ايضا .
نظرت المراة الى الجمع الحاشد ثم قالت :
ـــ
الرجل الذي يتحدث عنه هذا الكاذب هو شقيقي و ليس عشيقي، و أنا مستعدة كي
ادعوه الآن لتتأكدوا من صحة كلامي .
حين ارتفع صوت النسوة بالتأييد، سدّ
السلفي اذنيه باطراف اصابعه ثم صاح:
ــ الله
المستعان... الله المستعان ، اصوات النساء ترتـفع في بيوت الله.. يا ليتني مت قبل هذا .. ايها الأحباب، اليس
فيكم من يغار على حرمات الله ؟ اين الرجال
؟
تساءل حارث بيتروفيتش
:
ــــ
ما قصة السلفي مع اصوات النساء ؟
أجبته باقتضاب:
ـــ
يعتقد السلفيون ان المرأة كلها عورة حتى صوتها .
واصل رشيد:
ـــ
تركت السيدة الغاضبة قميص السلفي لبعض الوقت، اخرجت هاتفها الجوال، اجرت
مكالمة خاطفة.. حين انتهت منها امسكت بالسلفي من جديد وهي تقول:
ـــ
دقائق قليلة ثم يصل اخي كارل.
صاح
السلفي مولولا :
ـــ الايكفي اختلاطك بالرجال، و كلامك
في المسجد، و تعرية وجهك حتى تدخلين كافرا الى بيت الله ؟!... .
في تلك اللحظة تخلص السلفي من قبضة المرأة... وهو يستدير نحو الرجال، شمر عن قميصه ثم كوره تحت ابطه كل ذلك وهو يصيح
كالمجنون:
ـــ لا تصدقوا هذه الفاسقة و اخواتها ...
فعقولهن في فروجهن ولا دين لهن، لأجل ذلك هن أكثر أهل النار كما اخبرنا الرسول... والله يا رجال... و حرمة هذا اليوم العظيم في هذا
الشهر العظيم ما جاءت هذه الفاسقة لهذا المسجد إلاّ من أجل هذا .
قال ذلك ثم امسك أطراف قميصه بأسنانه، وبحركة
خاطفة انزل بنطلونه بكلتا يديه، كاشفا عن ذكره مستقبلا به جموع المصلين من شيب و
شباب و أطفال...أمام ذهول الجميع استدار نحو النساء تاركا مؤخرته الضخمة عرضة لأنظار الرجال.
ثم شرع يصيح :
ـــ
اعترفي يا فاسقة بانك قد جئت من أجل هذا؟
ـــ ...!!!
ـــ
قولي بصراحة انك قد جئت من أجل
هذا؟!
كل ذلك و هو يشير الي ذكره الذابل ...العجيب ان
جنونه السلفي لم ينسه إمساك ذكره باليد اليسرى ــ كما تأمر بذلك السنة النبوية!
لم أستطع أن أثبت على الأرض من شدّة
الضحك.. أما حارث بيتروفيتش فقد أذهلته
المفاجأة حتى عن التعليق بل بقي فاغرا فمه :
حين تجاوزت عاصفة ضحكي تساءلت متعجبا:
ــ يا الهي ! من يصدق ان امرأة مسلمة تقصد مسجدا بحثا عن الجنس
؟!.
علق رشيد بين قهقهتين مدوّيتين:
ــ الأعجب من ذلك ان تلك المرأة سيدة اروبية
تمتعت بحياتها بالطول والعرض.
علق حارث بيتروفيتش:
ــــ حقا
لا يفعل هذا الا سلفي سيّء النية.
أضاف رشيد:
ــ ثم اذا كانت تلك السيدة تبحث فعلا عن الجنس، فان ذلك السلفي سيكون أسوا
من سيخدمها... فالسلفيون يعتقدون ان على المرأة أن تظل بثيابها أثناء ممارسة
الجنس، و لا يحل لها ان ترى ذكر زوجها كما يحرم عليه رؤية فرجها.
يعدّ تجهّم شيوخ
السلفيّة أكبر مؤشر علي خشية الله و
تقواه.. هناك من شيوخ السلفية من تزوّج عشر نساء و لم يضحك حتى في يوم عرسه !.. اختلف فقهاء المسلمين في تحديد عدد المرات التي يجب على الرجل ان
يجامع فيها زوجته.. قال فريق منهم: مرّة
في كل أربعة ايام باعتبار ان لكل رجل أربع زوجات.
و قال فريق آخر: بل مرّة في كلّ أربعة أشهر. كما ذهب فريق أخر الى مرّة واحدة في العمر. في حين ذهب فريق سلفي
الى ان المرأة عبارة عن فرس اشتراه الزوج . أن شاء ركبه. و ان شاء أودعه الإسطبل ولم يركبه قط!.. استهداف بن لادن للنساء و الأطفال يوم 11/9 لا يختلف في القبح عن عمل هذا السلفي
الجزائري الجهول الذي اجتمع في عمله قبح
الغاية و قبح الوسيلة... هذا ما تعد به
مدرسة بن لادن العالم ...تعصب وجهل وقمع للمرأة بالإضافة الى مساندة الحكم
الوراثي و قمع الحريات العامة .
اعتماد السلفيين على ثقتهم العمياء في أمانة الراوي دون
تقييم إمكانياته العقلية هو الذي ورطهم
في جمع أحاديث مضحكة أكد بعضها ان
كرتنا الأرضية تستقرّ فوق قرني وعل! ذلك ما أكده احمد بن حنبل!
ذات
مرة أقبل عليّ حارث بيتروفيتش و
على وجهه علامات الإحباط دون ان يسلم
بادرني سائلا:
ــ هل صحيح ان عبد العزيز بن باز مفتي السعودية لا يؤمن بكروية الأرض...
أمسكنى بيدي ثم أضاف متوسلا:
ـــ أرجوك قل
لا.. أرجوك قل لا .
أجبت حارث بتروفيتش باسف تعمّدت
اظهاره:
ـــ حارث بتروفيتش أنا جدّ آسف..
ذلك ما قاله بالضبط، و كلامه موثق.
حين لمست احباطا مريعا لفّ صديقي
البوسني الشاب أضفت معزيا :
ـــ لا تهتم بكهنة السلفية و خرافاتهم.
اردت تسلية حارث بتروفيتش، أخبرته بأنني
قرأت في موقع سلفي سؤالا لأحد شباب
السلفية يقول فيه : فضيلة الشيخ هناك ملحد من أبناء المسلمين كذّب حديث الرسول
الذي يقول فيه ان شخصا خسف الله به الأرض فهو يغوص فيها الى يوم القيامة و قال لي
مجادلا: لو صحّ الخبر لخرج ذلك الرجل ومنذ زمن طويل من الجهة المقابلة من الكرة
الأرضية! ردّ عليه الدكتور السلفي و بكل جدّية مميتة للأمل: يا بنيّ، لو فرضنا جدلا أن الأرض كروية! فما أدرى ذلك
الملحد ان الرجل لا يغوص فيها بسرعة لا تمكنه من الخروج من الجهة المقابلة حتى قيام
الساعة ؟!
ذات مرة قال لي احد الملحدين " صدق المعرى
حين قال أن الناس صنفان متدين بلا عقل و عاقل بلا دين " قلت معترضا :"
ليست تلك قاعدة عامة... فالمعري نفسه كان متدينا وعاقلا" رد علي مشاكسا:"
لا يمكنك ان تنكر أن أغلب المتدينين من صنف سلفي غير عاقل" قلت موافقا:"
لا أجادلك في هذا ".
رحم الله
الشاعر الضرير، لقد يتآكل داخليا
دون لحظة سلام وحيدة.. احتجاجا منه على
الفساد السياسي و الديني قرر المعري عدم الزواج و الامتناع عن تناول اللحم مع لزوم
بيته حتى الموت..لأكثر من خمسين سنة لبث رهين المحبسين: العمى و البيت... كان
يتلظي بين مطارق الألم و سندان عذاب جهنم الذي أعدّ للمنتحرين.. كان يشتهي الموت
كما يشتهي المدمن حقنته.. كان يفكر في الانتحار بأبشع طريقة تعبر عن غضبه من مجتمع
فاسد.. فكّر في انهاء حياته جوعا..إيمانه بالله
هو الذي حال بينه و بين تـنفيذ مخططه
الذي كان سيسبق به" بول ساندس" بألف سنة... المعري أعظم محتج عبر
التاريخ البشري، و أقدم معتصم في تاريخ الإنسانية، وأشهر مضرب عن
الملذات، وأعظم مبتلى في تاريخ الإسلام.. و أشهر المكتئبين على الإطلاق..
من كتابه رسالة الغفران اقتبس دانتي
الكوميديا الإلهية .. رغم آلامه النفسية الحادة
اتم المعرى عبور محرقته.. تمنى لو ان الخمر كانت حلالا لتنسيه بعض همومه..
لأنه كان مؤمنا لم يلجأ اليها بل كابد
حياة لم تكن تختلف في قسوتها عن
جراحة بلا مخدّر كالتي يتعرض اليها اطفال البوسنة...المعري هو المؤرخ الأول
للكوميديا الملكية ببهلواناتها السلفية... كان أبلغ من كشف سوآت الملكية
الوراثية.. المعري شاعر الإنسانية الأول
وهوميروس المأساة الإسلامية و أشهر من انتقد الفهم السلفي المضحك للدين، لأجل
ذلك جاء تصنيفه سلفياّ على رأس قائمة الملحدين عبر التاريخ الإنساني المديد !
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire